“أدب الخيل” أو “الرقص” هو فلكلور شعبي مصري خالص، تَطوَّرَ على مر العصور، حتى أصبح على الشكل الذى نراه عليه الآن، فخطوة الحصان تَبهَر غير المتخصصين والمتخصصين فى عالم الخيل أيضًا.
فأدب الخيل هو ترويضها لأداء عدة حركات معينة منسقة، ويكمن كمالها فى تناسقها واستجابة الخيل لها. وأدب الخيل هو أحد ألعاب الفروسية الشعبية، وأشهرها على الإطلاق حاليًّا فى مصر، حيث إن بعض حركاتها اشتُقَّ منها، أو أضيفت للعبة الدراساج، ويكمن إجادة هذه اللعبة فى مدى تواصل وتناغم الفارس مع حصانه.
والحصان العربى أنسب الخيول لهذا النوع من الرياضة، حيث يجمع بين جمال المنظر وحسن التراكيب، بالإضافة إلى القوة.
وليس مطلوبًا أن يكون حصان الأدب هو الأجمل أو الأسرع، ولكن المطلوب أن يتميز بالطاعة والذكاء وسرعة التعلم، وسرعة الاستجابة لما يُطلَب منه، كما يتطلب أن يكون ذا تراكيب قوية، ودم حار مع صفاء اللون.
جاءت البداية من خطوة عودة الجنود المنتصرين بخيولهم، وكانت تُسمَّى خطوة “الغار”، وهو مصطلح عسكرى، وأصبحت تعرف فيما بعد بخطوة “التروت”، حيث يرفع الحصان قدميه والفارس يكون جالسًا فى وضع الثبات لا يتحرك، ويُطلَق عليها “المقعد الغائر” ، كما أن المربع هو حركة الاستعداد للهجوم فى الحرب.
وتم تطويع الخطوة فيما بعد إلى فلكلور شعبى مصرى خالص انتشر فى القرى المصرية، فهو ليس له علاقة بالبدو أو البادية، وتطورت الخطوة للأمام والخلف، وأصبحت تُعرَف الآن باسم “المربع”، فكان قياصرة روما وبيزنطة يُعَدُّ لهم خيول ذات دم حار؛ من أجل إبهار الأباطرة للعامة أثناء سيرهم بالخيول، ويتم تدريب الخيول على هذا الشكل وحركة رفع القدم والرأس.
وهناك رأي آخر أن فلكور أدب الخيل أُخِذَ من لعبة الركوب فى الطولى، وهى المعروفة باسم “الطارد والمطرود بالقاية والنبوت”، ونظرًا لحدوث الكثير من الإصابات فى هذه اللعبة؛ وحدوث الكثير من المشكلات بين العائلات؛ قام حضرة صاحب العزة عبد الله بك الجيار، وصاحب العزة على بك أبو جازية، بأخذ حركة المربع من اللعبة وإقامة حفلات لها.
تحكيم أدب الخيل
يرتكز أدب الخيل فى تحكيمه على النقاط التالية:
الحصان : يقوم الحصان بحركات ميكانيكية إجبارية عبارة عن تباديل وتوافيق، فإذا قام برفع القدم اليمنى تكون معها المؤخرة اليسرى والعكس، فالحصان يعتمد فى تدريبه على زمن الحركة ومسافة الحركة. وهذه الجزئية تعتمد على إبداع الفارس وفهمه الجيد لحصانه.
المسار: يبدأ الحصان المشى فى خط مستقيم، وهذا يعنى الطاعة الكاملة والثبات فى الوقوف وهو سعيد، ويؤدى ما يُطلَب منه وهو ضاحك.
المربع: يقوم الحصان وهو واقف بتبديل القوائم الأمامية مع الخلفية، ثم يقوم بنفس الحركات وهو يمشى، وتظهر مهارات التدريب فى سرعة الخطوة وشكلها، مع انتظام حركة المربع وتقارب ارتفاعات قوائم الحصان الأربعة على التوالى مع انتظام الإيقاع، ويُشترَط تأدية الحصان لهذه الحركات ضاحكًا وغير عابس أو عصبى، كما أن وضع الفارس على الجواد ومقعده وركاباته ومدى ثباته داخل السرج لها اعتبارات خاصة عند التحكيم.
التقليب على الدوائر: يتم عمل دائرة على الأرض على شكل حرف 8 باللغة الإنجليزية، ويقوم الحصان بالجرى على حدود هذه الدائرة، ومن هنا ظهر مصطلح التقليب على الدوائر، فأثناء جرى الحصان ناحية الشمال تكون ساق الارتكاز الأمامية هى اليسرى، وعندما يتم التغيير إلى اليمين تكون ساق الحصان اليمنى هى الرائدة، ففى التقليب على الدوائر يوجد لدينا 4 نقاط لتغيير ساق الارتكاز أو الساق الرائدة. وإذا كانت الاستدارة لليسار أو اليمين، فلا بد أن يُغيِّر الحصان قدميه برشاقة وجمال وإبهار للجمهور.
السلام: وهو استجابة الحصان طواعية لتعليمات الفارس ومد ساقه الأمامية، فالفارس يطلب من الحصان مد الساق اليمنى ثم مد الساق اليسرى، مع مراعاة طول واستقامة وارتفاع الساق، والاستجابة الفورية لطلب المدرب.
الشدة: وهى عبارة عن السرج والفوطة والإسراع والركابات واللجام.
تنظر لجنة التحكيم إلى الشدة بنظرة ترى فيها مدى ملاءمتها للحدث، واضعةً فى الاعتبار إجمالى أداء الحصان فى المسابقة، وينتظر قرار لجنة التحكيم ودرجاتها.
كما تقوم لجنة التحكيم باستبعاد أى جواد يتم إساءة معاملته أثناء العرض، أو توجد دماء فى بدنه.
الجيل الأول من فرسان أدب الخيل
انتشر أدب الخيل فى محافظة البحيرة من خلال عبد الله بك الجيار، الذي يمثل الجيل الأول من فرسان أدب الخيل، حيث خصص مساحة 5 أفدنة لفرقة الطبل والمزمار؛ ليعيشوا على ريعها، فى مقابل قيامهم كل يوم في وقت العصارى بالتطبيل لخيوله، وفى ذلك الوقت كان على بك أبو جازية فى أبو الغار بمحافظة الغربية مهتمًّا بأدب الخيل، وانتشر أدب الخيل، وقام على بك أبو جازية بعرض خيوله فى فرح جلالة الملك فؤاد، وكان معه مجموعة من العائلات العريقة.
وفى نفس الوقت ظهر الشيخ رضوان بلال فى طوخ دلكا بالمنوفية مع جيل المؤسسين، وكان هؤلاء هم الجيل المؤسس لنواة أدب الخيل فى مصر.
أما أحمد حجازى من بلبيس بمحافظة الشرقية فمن أشهر الهواة الذين كانوا يدربون خيولهم بأنفسهم، وقد قام بركوب حصانه وعرض فقرات راقصة بالحصان أمام الملك فاروق والملك عبد العزيز بحديقة قصر إنشاص.
عائلات تخصصت في أدب الخيل
اهتمت عائلات عريقة في وادى النيل وصعيد مصر بأدب الخيل؛ بوصفه إرثًا ثقافيًّا مصريًّا، ومنها عائلات الجيار فى البحيرة ومهنا ودبوس. وفى محافظة الغربية أبو جازية ونوير وبريك وحشاد وفتح الله والمراسى وزغلول ولاشين وخليل. وفى محافظة المنوفية بلال وعبد الغفار وأبو حسين والفقي. وفى القاهرة أبو بريك بالمعادي، وعائلات الهرم، مثل خطاب – الجابرى – أبو عزيزة – أبو باشا – بريش – غنيم، وعائلات الصعيد، مثل حسين محجوب، وكان عاشقا للخيول، حيث كان يركب الخيل ويعلمها بنفسه. والإسكندرية الحاج عطا سليم. وكل عائلة لها مدرب خاص بها.
كرَّست هذه العائلات كل جهدها، وأنفقت الكثير من أجل إعداد جواد مميز ذي تكوين جسمانى فريد ومتكامل، بالإضافة إلى إمكانيات تدريبية راقية تَسُرُّ الناظرين، ولا يمكن انتقادها.
وكان هناك حرص على اختيار الجواد لأداء الأدب، فلا بد من توافر عناصر جمال وسلامة التكوين الجسمانى واكتمال الصحة العامة، مع اتساع منطقة الصدر وقوة الرقبة وسلامة القوائم الأربعة، كما أن عناصر التكوين النفسي للجواد تمثل عناصر هامة، حيث يجب أن يكون الجواد مُقبِلاً على أداء الأدب بسعادة وفرحة وشغف، وأن يكون الجواد ذا حضور وذكاء، بالإضافة إلى حسن الخلق وعدم وجود عادات سيئة.
والعمر المناسب لبداية التدريب هو ثلاث سنوات. أما وسائل التدريب فلا توجد مناهج نمطية لتعليم الحصان الأدب، ولكنها أساليب متوارثة منذ القدم، ويجب الأخذ فى الاعتبار بعدم إجبار الحصان على الرقص باستخدام السوط؛ لأن جواد الفروسية الشعبية الرائد يرفض أساليب العنف فى التدريب، كما يرفض استخدام أدوات تجلب الألم له، ويُعتبَر العنصر الرئيسي لنجاح التدريب هو الصبر وعدم الاستعجال؛ حتى لا يَمَلَّ الجواد، ويصاب بالزهق.
الجيل الثانى من من فرسان أدب الخيل
شمل الجيل الثاني من فرسان أدب الخيل مجموعة مميزة، هم الشيخ سعد أبو جازية، والعمدة نبيه أبو جازية، والعمدة سعد نوير، والعمدة صالح زغلول. وهؤلاء هم الفرسان المُميَّزون للجيل الثانى، فقد سافر العمدة نبيه أبو جازية إلى لبنان بحصانه، وقام بأداء عرض لأدب الخيل، وكان الحاج زكريا عثمان من الرعيل الذى ضم صفوة القوم من شمال مصر إلى أقصى الجنوب، والذين كان لهم اسم مرموق فى عالم الفروسية الشعبية وأدب الخيل.
وكان الحاج زكريا عثمان أول من تم استدعاؤهم بخيولهم؛ وذلك لافتتاح المعرض الزراعى بالجزيرة أو فى أعياد الثورة وتأميم القناة وكثير من المناسبات القومية والدينية.
فى أحد الأيام تم استدعاؤه من مكتب الرئيس الراحل جمال عبد الناصر؛ ليؤدى عرضًا لأدب الخيول العربية أمام الرئيس نهرو والرئيس تيتو، حتى أصبح عنصرًا رئيسيًّا فى برامج استقبال رؤساء الدول، إلى أن جاءت مناسبة افتتاح قناة السويس بعد حرب أكتوبر، وكانت حفلة افتتاح مهيبة، وطلب الرئيس السادات أن يحضر الحاج زكريا عثمان؛ ليؤدى بخيوله أجمل عروض الأدب، كما قدم عرضًا أمام شاه إيران.
الجيل الثالث من فرسان أدب الخيل
شمل الجيل الثالث من أدب الخيل الحاج كرم بريك ورضا نوير والشيخ على أبو جازية وطارق بلال، وعلى أبو بريك والعمدة جلال عاكف.
خلال تلك الفترة كان يوجد عمالقة التدريب، والذين تركوا بصمات حتى الآن يهتدى بها المدربون الحاليون فى تدريبهم لخيولهم، وإن كان هناك فارق فى الإمكانيات، خاصة فى تكلفة إعداد الجواد للأدب، حيث كان مرتب المدرب للحصان لمدة سنة هو 30 جنيهًا، وكان المدرب ينتقل إلى الجواد، ويقيم بجواره. أما الآن فمرتب المدرب يتراوح بين 2000 و 5000 جنيه شهريًّا حسب شهرة المدرب، وينتقل الجواد إلى المدرب.
وزارة الشباب تنشئ اتحادًا لأدب الخيل
اهتمت الدولة المصرية بأدب الخيل، فقامت وزارة الشباب بإنشاء اتحاد للأندية الريفية، ومن أهم اهتماماته أنشطة الفروسية الشعبية، مثل أدب الخيول والتحطيب والحكشة، وله مقر فى شارع قصر النيل، وكان له دور كبير فى مهرجانات مصر الرسمية، مثل أعياد الثورة وعيد الفلاح ووفاء النيل، ولكن تَوقَّفَ هذا النشاط منذ فترة.
وكان افتتاح المعرض الزراعى التابع للجمعية الزراعية الملكية، الذى كان يقام فى أرض المعارض “الأوبرا حاليًّا” التى تطل على كورنيش النيل، يبدأ بفقرة رقص الخيل “أدب الخيل”، وأصبحت فقرة ثابتة بالمعرض كل عام، منذ كان السلطان حسين كامل رئيسًا للجمعية الزراعية، حتى تم إلغاء المعرض، وحصلت الأوبرا المصرية على أرض المعرض.
ولعب الاتحاد العام للأندية الريفية دورًا هامًّا فى تشجيع فرسان أدب الخيل والهواة على ممارسة هذه الرياضة، وكانت تحدث تصفيات لبطولة أدب الخيل على مستوى الجمهورية، وكل محافظة يتنافس بها على الأقل فى مرحلة التصفيات 10 خيول وفرسان، ويتم اختيار 5 للتصفيات النهائية، وفى حالة عدم اكتمال العدد بالمحافظة، يتم ضم المحافظة إلى المحافظات الأخرى المجاورة. وكانت المحافظات المستقلة بذاتها هى: البحيرة وكفر الشيخ والجيزة والغربية. وكان فى أغلب الأحيان يتم اختيار ستاد المحافظة لعمل التصفيات التى تنقسم إلى جزأين: الأول من عمر 20 عامًا وأكثر، ويُسمَّى محترفين، والثانى للناشئين من عمر 12 عامًا.
المنافسة بين مدربي أدب الخيل ودور بني مُرٍّ في التدريب
ولم تكن المنافسة فى البطولات بين المدربين كما يحدث الآن، وإنما كان دور المدرب تعليم الجواد والفارس، وكان أصحاب الخيل هم الفرسان؛ لذلك كانت البطولات لها مذاق خاص.
بعد اختيار الخمسة الأوائل يتم اختيار مكان مناسب للحدث فى القاهرة من قِبَل الاتحاد، وكانت كلية الشرطة فى العباسية من أشهر الأماكن التى يُقام بها بطولات الأدب، ثم أقيمت البطولة بنادى سقارة كنترى كلوب، وكذلك فندق المينا هاوس، واتحاد الفروسية للشرطة بالدراسة، وكان اللواء الدكتور عبد الكريم درويش مدير كلية الشرطة يُسلّم الجوائز بنفسه.
وكان لقبيلة بنى مُرٍّ دور كبير فى تدريب الأدب، وتوارثته الأجيال فيها، ومن أشهرهم المرحوم محمد أبو مرة والحاج سلامة أبو مرة. وهناك عائلات أخرى من قبيلة بنى مر استقرت فى الجيزة وأبو كبير بالشرقية والصعيد، وكان لعائلات البيطار وسرحان دور كبير؛ حيث إنها أقدم العائلات التى عملت فى مجال تدريب أدب الخيل.
خلال فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضى كانت لجنة التحكيم تتمثل من كل من الحاج زكريا عثمان واللواء يسرى خليل واللواء يوسف غراب والشيخ سعد أبو جازية. وكانت اللجنة من 3 حكام فقط خلال تلك الفترة، وكانت الطريقة المتبعة مختلفة عن الآن فى بعض الخطوات، مثل قيام الفارس بركوب الحصان على باب الميدان؛ ليتم تقييمه، ثم الدخول فى المسار، ثم التحية بالسلام يمينًا ويسارًا، ثم تأدية حركة المربع، ثم التقليب على دوائر، ثم المربع مرة أخرى، ثم السلام، ثم الحركة الاختيارية، وكان يتم التحكيم على الشدة والقيادة، وهى طريقة ركوب الفارس.
كان المحكم يعمل جاهدًا من أجل تقييم مدى شعور الحصان وحالة الطاقة والانبساط لديه وليس الإكراه، ويستشفُّ الحكم ذلك من انسياب وليونة حركة الحصان. واعتمد التحكيم خلال تلك الفترة على فهم وشعور وإحساس الحكم، وكانت النتيجة تُعلَن في نهاية الحفلة.
كما كان هناك لجنة للطعون تُشكَّل من أكبر ثلاثة أعضاء لهم معرفة كبيرة بعالم ترويض الخيل. ويتم النظر إلى الحيثية الاجتماعية لأعضاء اللجنة، وكانت لجنة الطعون تعود الى شريط الفيديو المصور عليه الحفلة، كما كان أعضاء اللجنة يحضرون الحفلات دائمًا، ويُحكِّمون بأنفسهم، ولا يعلنون الدرجات، إلا فى حالة حدوث طعن ونظر اللجنة فيه.
ومن الملاحظ أن تحكيم مسابقات أدب الخيل ليس له قواعد مكتوبة، فالآن نجد أحيانًا 5 حكام، كما حدث تغيير فى برنامج الركوب، حيث أُلغِيَ امتطاء الفارس الحصان منفردًا عند بداية الميدان، كما تمت إضافة حركة الثبات التى لم تكن موجودة.
وعلى الرغم من التغيير فى القواعد، إلا أن الشدة لا يزال الاهتمام بها؛ حيث يتم النظر إليها لاحتفاظ الحصان بالروح العربية.
لذا فإن جرح الحصان من خلال اللجام أو الركوب يوجب استبعاده، وكان فى خلال الفترة الماضية مُتَّبَعًا أن يتم مشاركة خيل مسابقات الأدب من إنتاج أصحابها، لا الخيول المُشتراةِ الجاهزة كما يحدث الآن.