إذا كانت بعض دول العالم قد شهدت تخلى بعض الملوك والأمراء عن “العرش” من أجل الحب والزواج بمن يحب، ففى تاريخ مصر من تخلى عن العرش حبًّا فى الخيل، ورغبة فى رعايتها، والعناية بها. إنه عاشق الخيل “الأمير كمال الدين حسين”.. شغلته العناية بشؤون الفلاح، وأرسل الطبيب البيطرى برانش الاسكتلندى إلى إنجلترا لشراء 18 طلوقة.
يُعَدُّ الأمير كمال الدين حسين واحدًا من أكثر المربين المصريين تأثيرًا فى إنتاج الخيل العربية الأصيلة بمصر فى أوائل القرن التاسع.
وكانت هناك منافسة بينه وبين الأمير محمد على توفيق، وخيول الجمعية الزراعية الملكية، واستهدفت هذه المنافسة تحسين إنتاج الخيول، والحصول على أفضلها.
وتذكر السجلات أنه كثيرًا ما كان الأمير كمال الدين يُعير خيول الطلوقة الخاصة به للجمعية الزراعية الملكية، ويستعير طلائقها من أجل برامج التوليد والتربية الخاصة به.
أهدى الأمير كمال الدين حسين مكتبته الخاصة إلى قسم الخيول بالجمعية الزراعية الملكية، ولا تزال موجودة حتى الآن، وتضم العديد من الكتب النادرة، بينها مجموعة باللغة الفرنسية.
تَرَأسَ قسمَ تربية الحيوانات بالجمعية الزراعية فى عهد والده السلطان حسين كامل، وأعطى اهتمامًا كبيرًا بتربية الخيول، فأرسل الطبيب البيطرى برانش الاسكتلندى رئيس قسم تربية الخيول ببهتيم إلى إنجلترا لشراء 18 طلوقة. وفرساه بنت ريالة وبنت رسالة من إسطبلات “كرابيت”، التى تعود ملكيتها إلى “الليدى آن بلانت”، وتَربَّت فى مصر بإسطبلات الشيخ عبيد.
طلايق الأمير كمال الدين حسين تُحسِّن إنتاج الخيول بالمحافظات
عمل الأمير كمال الدين حسين على نشر طلايق الجمعية الزراعية المصرية بمديريات القطر المصري؛ لتحسين إنتاج الخيول بالمحافظات. وبعد وفاة والده حل محله فى رئاسة الجمعية الزراعية الملكية فى الفترة من 20 إبريل عام 1915 إلى 6 أغسطس عام 1932، حتى تُوفِّىَ إلى رحمة الله تعالى، فسار على نهج سلفه فى العناية بشؤون الفلاح والفلاحين، وعُنِىَ بالاكتشافات العلمية الجغرافية، كما تغلغل فى الصحراء أكثر من مرة، ووضع الخرائط العظيمة القَيِّمَة من الوجهتين الفنية والعلمية.
زار الأمير كمال الدين حسين الليدى آن بلانت عندما أهدت الجمعية الزراعية الملكية الفرس غادية، والتى تُسمَّى أيضًا “راضية” وجميلة والحصان جميل، وقدم لها الشكر بنفسه فى إسطبلات الشيخ عبيد.
تقول الليدى آن بلانت فى مذكراتها إنه فى يوم 9 مايو عام 1917 زارها الأمير حسين الدين كمال ابن سلطان مصر فى مزرعتها بعين شمس، وكانت زيارة رائعة، كان يرافقه فى الزيارة الطبيب البيطرى برانش الاسكتلندى، والذى يشغل رئاسة قسم تربية الخيول ببهتيم، وأوضحت بلانت فى مذكراتها أنها أرسلت فرسًا للجمعية هدية اسمها كارما، ولكن الدكتور برانش قال لها إن هذه الفرس حالتها ميئوس منها، وطلب منها إرسال فرس أخرى؛ من أجل أن يكون ابن السلطان سعيدًا، فأرسلت مهرًا بدلاً منها، وقال لها الدكتور برانش إنه يبحث عن خيول لشرائها للجمعية الزراعية الملكية؛ لتطعيم برنامج التربية.
هل اشترى الأمير كمال الدين حسين خيول آن بلانت؟
فى ديسمبر 1917 تُوفِّيَت الليدي آن بلانت، وتم عرض جميع خيولها للبيع؛ بسبب اندلاع الحرب العالمية الثانية واستحالة سفر الخيول من مصر إلى إلى مزرعة كرابيت بإنجلترا، وتم بيع الخيول، حيث قام مُشترٍ غير معروف بشراء جميع الخيول بمبلغ 1200 جنيه مصرى، بعد ذلك قيلَ إن المشترى هو التاجر اليونانى كدغلى، والذى باع الفرس “درة” للجمعية الزراعية المصرية عام 1924. وهذا الافتراض من الممكن أن يكون غير حقيقي؛ لأنه من الممكن أن يكون قد اشترى هذه الفرس من أحد الأشخاص.
وهناك افتراض حقيقي، وهو أن الأمير كمال الدين حسين هو المشترى، والدليل على ذلك أنساب الخيل التى باعها للخاصة الملكية بإنشاص سنة 1930، وكذلك الخيول التى أهداها، ومن الممكن أن يكون كدغلى هو الذى قام بشراء خيول إسطبلات الشيخ عبيد لصالح الأمير كمال الدين حسين، ومن المؤكد أن الأمير احتفظ بهذه الخيول التى تعود أصولها إلى خيول على باشا شريف.
أسماء بعض الخيول آن بلانت المَبيعَة بعد وفاتها
كانت مزرعة الليدي آن بلانت بمصر ثرية بأصايل الخيول العربية، وتم بيعها بعد وفاتها؛ لاستحالة نقلها إلى إنجلترا؛ نتيجة الحرب العالمية الثانية، وننشر قائمة بما استطعنا الحصول عليه من أسماء خيولها المباعة، وهي:
سارة: فرس زرقاء صقلاوية جدرانية، أبوها سحاب وأمها جميلة، وُلِدَت سنة 1915 بإسطبلات الشيخ عبيد.
فايدة: فرس صقلاوية جدرانية، أبوها جميل والأم بنت بنت حرة “جازية”، وُلِدَت عام 1910 بإسطبلات الشيخ عبيد.
دلال: فرس حمراء، دهماء شهوانية، وُلِدَت عام 1910 بإسطبلات الشيخ عبيد، أبوها جميل وأمها بنت البحرين.
ظريفة: فرس زرقاء، صقلاوية جدرانية، أبوها سحاب وأمها راضية، وُلِدَت عام 1911 بإسطبلات الشيخ عبيد، ولها مهر اسمه رشيد من الأب جميل.
أرسل الأمير كمال الدين حسين الدكتور برانش مدير قسم التربية إلى إنجلترا عام 1919؛ لكى يشترى مزيداً من الخيول العائدة لعلي باشا شريف من إسطبلات كرابيت، حيث اشترى برانش مهرتين و 18 ذكرًا لصالح الجمعية الزراعية.
كما اشترى الحصان الطلوقة رستم بن استرالد وروضة، كحيلان رودانى، والحصان سطام بن استرالد وأمه سلمى، حمدانية سمرية.
وكانت إسطبلات الأمير كمال الدين حسين موجودة فى صفط خالد، ويديرها الدكتور برانش، وكان الأمير يفضل أن يُدرِّبَ خيوله على الركوب والسباق.
أهم فرسة اشتراها هنري بابسون من الأمير كمال الدين حسين
فى عام 1932 اشترى مربى الخيول الأمريكى الشهير هنرى بابسون الفرس بنت سارة، أبوها الحصان سطام وأمها الفرس سارة، من إنتاج الأمير كمال الدين حسين، وكانت من أهم 5 فرسات اشتراها بابسون من مصر، ومقدام بن رستم، وبنت بنت دلال.
يقول بابسون عن الأمير كمال الدين حسين إنه كان مُقدَّرًا أن يصبح الملك التالى، لكنه تَعرَّضَ للتسمم، وذهب إلى أوروبا، وكان مستكشفًا، وقد قمنا بزيارة كوخه الخاص به أسفل النيل، وكان بالكوخ خريطة ضخمة توضح أماكن فى شمال إفريقيا، حيث قام بالاستكشاف والصيد.
الوريث الشرعي.. ننشر خطاب تنحِّي الأمير كمال الدين حسين عن العرش
تَنحَّى الأمير كمال الدين حسين عن قبول العرش بكتابه الخالد الذى بعث به إلى والده السلطان حسين قبل وفاته، قائلاً: “مع إخلاصى التام لشخصكم الكريم، وحكمكم الجليل، مقتنع كل الاقتناع بأن بقائى على حالتى الآن يُمكِّننى من خدمة بلادى بأكثر مما يمكن أن أخدمها به فى حالة أخرى؛ لذلك أرجو أن تأذنوا لى أن أتنازل عن كل حق أو صفة أو دعوى كان من الممكن أن أتمسك به فى إرث عرش السلطنة المصرية بصفتى ابنكم الوحيد…”.
ويُعَدُّ الأمير كمال الدين حسين أول مَن وقَّعَ بيان الأمراء الخمسة ونداءهم الوطنى المشهور الذى أصدروه فى الثالث من يناير عام 1923؛ ليعلنوا فيه تضامنهم مع صفوف الأمة فى المطالبة بحقوقها الشرعية فى الحرية والاستقلال، والذى يقولون فيه: “لذلك جئنا، لا لنشارك الأمة فى مقاصدها فقط، بل لنضم صدورنا إلى صدور أفرادها، ونجعل أيدينا فى أيديهم، بحيث إننا لسنا إلا روحًا واحدة…”