تُعَدُّ مصر من أوائل الدول التى اهتمت بسباقات الخيل، فهي الدولة التي حصلت على العضوية رقم 2 بمنظمة “الجوكى كلوب” بعد إنجلترا، وهى المنظمة المسئولة عن تنظيم السباقات، وتلعب مصر دورًا حيويًّا فى هذا المجال منذ عام 1890، وكان لها دور عظيم فى جذب أفضل سلالات الخيول العربية من الجزيرة العربية، حتى وصلت إلى هذه المكانة الكبيرة فى الخيل العربى.
ويوضح الدكتور أحمد مبروك في كتابة “رحلة إلى بلاد العرب” أهمية السباق في مصر، بأنه أثناء رحلته للحجاز والرياض والأحساء والبحرين والعراق وبيروت وحماة، لاحظ أن صفوة الخيول ترسل إلى مصر للتسابق على مضمار سباق هليوبلس؛ وذلك لارتفاع الأثمان التي تباع بها في مصر، كما أن الخيول أمامها فرصة كبيرة للفوز في السباق والحصول على جوائز كبيرة تغري تاجر الخيل على البحث وحسن اختيار أفضل الخيول العربية.
وكان فى ذلك الوقت السباق عبارة عن مواسم: موسم فى القاهرة، وموسم فى السودان، حيث كان يتم انتقال إدارة السباق فقط إلى السودان، وموسم فى الإسكندرية خلال فصل الصيف.
مضمار سباق الخيول بمصر الجديدة
أُنشِئَ مضمار لسباق الخيول بمنطقة مصر الجديدة، وحَظِيَ باهتمام كبير ومشاركة عالمية، وعند إنشاء مترو عبد العزيز فهمى، والذى تَوسَّطَ مضمار السباق، تم نقل المضمار إلى أطراف منطقة مصر الجديدة، وذلك عام 1961؛ كمنطقة بديلة لـ “مضمار سباق الميراند”، وتحويل الجزء الذى تَبقَّى من المضمار القديم إلى حديقة الميرلاند، وتحتوى الآن هذه المنطقة على مجموعة من الإسطبلات بها 2140 بوكسًا وحصانًا. وهذه الخيول تُستخدَم فى السباقات التى تقام فى نادى “الجمعية الرياضية لمالكى الجياد” المقام بمنطقة مصر الجديدة. وفى شهر مايو عام 2020 تمت إزالة هذه المنطقة لإنشاء منطقة بديلة لها بالعاصمة الإدارية الجديدة.
تم إنشاء حديقة الميرلاند فى النصف الذى مر به مترو عبد العزيز فهمى، حيث كانت نهاية الترام فى روكسى. ومع التوسع العمرانى لمصر الجديدة تم إنشاء ثلاثة خطوط ترام، هى “عبد العزيز فهمى، والنزهة، والميرغنى”.
أما الجزء الآخر الذى تَبقَّى من مضمار سباق هليوبولس فهو مبنى الإدارة ومقصورة السباق، وانضم هذا الجزء إلى غرناطة.
أفخم الإسطبلات وأكبر سباقات الخيل بمصر
تباهت مصر ببناء أفخم الإسطبلات وإقامة أكبر السباقات، حيث كان يحضر العديد من الأشخاص من مختلف بلاد العالم للمشاركة فى تلك السباقات بسبب قوتها، كانت مبانى المضمار تتمتع بالذوق العالى وجمل المنظر، وهذا يوضح التكلفة الباهظة التى أُنفِقَت عليها، وكان تطعيم المبانى بالأرابيسك يعطى منظرًا خاصًّا، وحضر العديد من الملوك. أما اليوم فتقام السباقات فى القاهرة خلال فصل الشتاء بنادى الجمعية الرياضية والجزيرة، وفى الصيف فى الإسكندرية بنادى سموحة الرياضي، الذى كان ناديًا للفروسية فقط عند نشأته، ثم مع إدخال الأنشطة الاجتماعية للنادي، أصبح هناك نادى أصحاب الجياد، وتم إيقاف الجرى به؛ لأنه أصبح فى وسط مدينة الإسكندرية، ففى الماضى كانت المنطقة خالية، وكانت الخيول تذهب سيرًا، وحتى الآن لا تزال المدرجات والمضمار والمقصورة الملكية من تحف الزمان.
تأسس 1882 واستقبل أول سباق خيل.. نادي الجزيرة العريق
كان لنادى الجزيرة دور هام مع سباق الخيل، ولا تزال حتى الآن السباقات تتم فى نادى الجزيرة.
أنشئ نادى الخديوى الرياضى (الجزيرة) عام 1882 على حدائق سراى الخديوى إسماعيل، التى استضاف فيها الإمبراطورة أوجينى عام 1869 بمناسبة افتتاح قناة السويس.
وجرى به أول سباق للخيل عام 1883 على أرض النادى، معلنًا بدء رياضة سباق الخيل فى مصر لأول مرة على غرار أندية السباق العريقة فى بريطانيا.
وفى 4 نوفمبر 1886 رخصت الحكومة لنادى الخديوى الرياضى الانتفاع بمساحة من الأرض بلغت فى جملتها 146 فدانًا و22 قيراطًا و12 سهمًا.
تم الانتهاء من مدرجات السباق الخشبية عام 1889، وظلت تستقبل محبى رياضة سباق الخيل طَوالَ 60 عامًا، انتهت بنهاية آخر أشواط موسم سباق 48 – 1949 فى يوم 8 إبريل 1949؛ ليبدأ تنفيذ المدرجات الخرسانية الحالية التى افتُتِحَت فى بداية موسم 1949 – 1950 يوم 4 نوفمبر 1949.
وتُعَدُّ هذه المدرجات من أروع التصميمات المعمارية للمنشآت الرياضية، وقام بتصميمها المهندس المعمارى كاتارينشيك، وهو يوغسلافى الأصل مقيم بالإسكندرية، واستُخدِمت مواسير المدافع المضادة للطائرات أثناء الحرب العالمية الأولى فى حمل السقف الخرسانى.
وقد تغير اسم نادى الخديوى الرياضى إلى نادى الجزيرة الرياضى عام 1914 ، ثم تَغيَّرَ اسمه إلى نادى أمير الصعيد؛ نسبة إلى الملك فاروق لنحو عام أو أكثر بقليل؛ ليعود إلى اسمه العريق.
نادي سبورتنج وصياغة قوانين سباق الخيل بمصر
أقيمت السباقات بنادى الإسكندرية الرياضى “سبورتنج”، الذى تم الافتتاح الرسمى له فى 10 سبتمبر 1890، وشهد افتتاح النادى أولى حفلات سباق الخيل، وحضر الاحتفال الخديوى توفيق، ونشرت جريدة “الأهرام”، التى كانت تصدر وقتذاك من الإسكندرية ومؤسسها بشارة تقلا كان من أبرز أعضاء النادى الوليد، خبر الافتتاح فى عددها الصادر فى اليوم التالى 11 سبتمبر سنة 1890.
كانت لجان السباق تقوم بصياغة قوانين ولوائح السباق فى مصر، والتى كانت مستوحاة على نحو كبير من النظم المعمول بها فى أندية سباق الخيل فى بريطانيا.
يقول الأمير محمد على فى كتابه “تربية الخيول العربية الأصيلة”: الآن فى كل مكان لديك الفرصة للنظر فى النظام القديم يمر ويحل. هذا هو عملى عندما أنظر إلى عالمنا الحالى، وهناك صور للرياضيين القدماء من حولى، وأنا أعرف أساطير عصرهم ومعنى الرياضة فى تلك الأيام. كان اللوردات والرجال العظماء وحتى الهواة يمتلكون إسطبلات فى الأيام الخوالى؛ من أجل حماية بلدهم فى أوقات الحرب، وفى وقت لاحق قام الضباط بتأدية السباق بصدق وأمانة؛ لأنهم أحبوا سباقات الخيول، حيث أصبحت رياضة الرجال الشرفاء.
اهتمت الجمعية الزراعية الملكية (الهيئة الزراعية المصرية) بدعم السباق، وكان رئيس لجنة التشبية هو رئيس قسم التربية، وكان هناك العديد من الأثرياء وأعضاء المجتمع فى نادى الجوكى، وكانت تلك الأيام براقة عندما كانت الخيول الشهيرة، مثل نبراس وغيرها من الخيول الشهيرة، تجتاز ميدان السباق المصرى، وكانت السباقات تخضع لسيطرة صارمة من قِبَل جوكى تشا لاريسورس، التى تم تصنيفها إلى أربع فئات، ولكن لم يعد الحال اليوم كما فى ذلك الوقت، وكان ما يقرب من 700 حصان إجمالى الدخول للسنة، بينما فى العقد الماضى قد يكمل إلى ما يصل إلى ألف حصان تقريبًا، وكانت القدرة على السباق شرطًا أساسيًّا فى برنامج تربية الهيئة الزراعية المصرية، حتى أوائل الستينيات تجاوز الطلب على الحصان المصرى من كل دول العالم، وكانت أمريكا أكثر الدول المهتمة بشراء الخيول من الهيئة الزراعية المصرية، وأصبح الحصان المصرى منافسًا قويًّا فى مسابقات الجَمال فى أمريكا، كما حدثت زيادة فى الطلب على خيول السباق فى مصر، وأدخل الحصان شركسى فى برنامج محطة الزهراء، وسمحت المحطة للمربين بالنَّزْوِ منه لخدمة أفراس المربين.
ويُعَدُّ الحصان شركسى من أفضل وأجمل وأقوى خيول السباق. وهذا الحصان جاء إلى السباق من صعيد مصر.
ويحكى البعض أن منطقة عين شمس كانت صحراء، وكان العرب يأتون من كل مكان، ويقومون بإنشاء الخيام بها أثناء موسم السباق، وكان يذهب إلى تلك الخيام من يقوم ببيع البرسيم والشعير والدريس، وأن الحصان شركسى تم شراؤه من أحد قاطنى هذه الخيام وهو مهر، وبيع للصعيد، وعاد إلى القاهرة مرة أخرى مع مالكه الجديد عندما كبر للمشاركة فى السباق، وقد حصل الحصان شركسى على إجازة السباق من لجنة التشبيه ٤ مرات بجميع مراحل العرض على لجان التشبيه، وأجيز عربيًّا بآراء جميع اللجان.