إذا كان عباس باشا الأول هو مؤسس مملكة الخيل المصرية وجامع سلالاتها العظيمة من كل مكان، خاصة الجزيرة العربية، فإن الفضل فى الحفاظ على تلك السلالات يعود إلى علي باشا شريف، فدماء الحصان المصرى الموجودة حاليًّا فى كل دول العالم تعود إلى خيوله.
يقول عنه الأمير محمد على توفيق فى كتابه “نبذة عن الخيل الأصايل فى مصر”: وقد أسعد الحظ مصر بتكفل رجل عظيم شغوف بالخيل مثل على باشا شريف وتعهُّده تربية أجودها باستمرار؛ لأنه كان أوسع الباشوات ثروة، وكان العيش رغدًا فى ذلك العصر، وأجور العمال قليلة، حتى إنه استخدم عشرين شركسيًّا لخدمة خيوله بأجرة زهيدة، إذ كان كل منهم يأخذ عشرين قرشًا شهريًّا عدا غذائه بخلاف عصرنا هذا، فإنه قد يُخصَّصُ رجل واحد لخدمة ثلاثة من الخيل، وفى هذه الحالة لا يُنتظَر منه أن يقوم بالخدمة المعتنى بها التى كانت تُؤدَّى من قبل فى عهد على باشا شريف.
ويؤكد أنه “من حظ مصر أن على باشا شريف استمر فى المحافظة على تربية جياد الخيل التى بدأ بها عباس باشا الأول، ولولاه لاندثر هذا الأثر، وخمدت شعلته التى أوقدها عباس باشا الأول”.
وُلِدَ على باشا شريف فى مصر، حيث استدعى محمد على باشا الكبير السيد محمد شريف ـ والد على باشا شريف ـ من “قولة” إلى مصر، وكان يناهز الثانية عشرة من عمره، وأدخله فى مدرسة الخانكة، حيث يتلقى أبناء الأمراء والباشوات العلوم؛ ليتقلدوا بعدها مناصب عدة فى الحكومة المصرية فى حكم محمد على باشا الكبير، ثم عُيِّنَ واليًا لبلاد العرب ولبنان والشام ضمنًا.
وتَلقَّى على باشا علومه فى نفس مدرسة الخانكة التى تلقى فيها والده معارفه، ثم بُعِثَ به إلى فرنسا لإتمام دراسته بمدرسة أركان حرب بباريس بحى فاندوم، حيث كان نجاحه فيها باهرًا؛ إذ كان الأول فى فرقته.
وعُيِّنَ بعدها فى الجيش الفرنسى برتبة يوزباشي، وخدم فى فرنسا، واشترك فى ثورة 1848 بوظيفة أركان حرب، وتَرقَّى بسرعة إلى درجة قائد حصار باريس، ثم عاد إلى مصر، وعُيِّنَ أميرالاى فى المدفعية المصرية فى حكم محمد على باشا الكبير. وبعد وفاة والده عُيِّنَ رئيسًا للغرفة التجارية المصرية، ثم رئيسًا لمجلس الشورى، وخدم فى الحكومة المصرية تحت حكم ولاتها، وهم: محمد على باشا الكبير “من 1805 لسنة 1848″، وإبراهيم باشا “من 1848 لسنة 1848، وعباس باشا الأول من “1848 حتى 1854″، وسعيد باشا من “1854 حتى 1863″، والخديوى إسماعيل من “1863 حتى عام 1879″، والخديوى توفيق من “1879 وحتى 1892″، والخديوى عباس حلمى الثاني من “1892 وتوفي فى عهده.
عناية علي باشا شريف بجياد الخيل بشهادة الأمير محمد علي توفيق
سجل الأمير محمد علي توفيق شهادته التاريخية لعناية علي باشا شريف بالخيل، وذلك فى كتابه “رسالة فى الخيل”، بقوله: “اشترى علي بك – الذى صار على باشا شريف فيما بعد – أكبر عدد من هذه الجياد، وبيع جانب منها للحكومات”.
وأضاف الأمير توفيق أنه تم بيع 18 حصانًا وفرسًا للحكومة الفرنسية، وحصانين للحكومة الأسترالية، و20 رأسًا للحكومة الإيطالية، وحصانين للحكومة الألمانية. أما الباقى منها فبيع مَثْنَى وثُلاثَ إلى بعض المصريين.
وتابع توفيق أن على بك اشترى أكبر عدد من تلك الخيول، وأسس إسطبلاً بقصره فى شارع “الهدارة” الموصل إلى شارع عبد العزيز بالقاهرة حاليًّا، حيث بدأ بتربية جياد الخيل بعد وفاة عباس باشا الأول بين عامى 1848 و1864م، وتُوفِّىَ فى حكم الخديوى عباس حلمى الثاني.
ويعود الأمير محمد على توفيق فى كتابه إلى تأكيد أن جياد الخيل العربية التى أتت إلى القطر المصرى ما هى إلا اختيار رجل عظيم خبير ذى نفوذ اكتسبه بمركزه الملكى السامي، إذ بلغ الحصان العربى الجيد أوج مجده فى ذلك الزمان. ولما مات عباس باشا الأول، اعتنى على باشا شريف بعده بتربية الخيل خير عناية.
وأثار توفيق قضية مهمة بقوله: “كان أغنياء القطر فى ذلك العصر فخورين بخيلهم وسروجها المرصعة بالذهب الخالص والفضة النقية، كل منهم بحسب سعته”، موضحًا أنه فى عام 1880 بلغ ثمن الحصان العربى الذى كان مستعملاً فى الاستراضة وتمرين الجنود فى الميادين ثلاثمائة جنيه.
ووُفِّقَ على باشا شريف فى إنشاء قسم تربية خيل نجائب، حيث كوَّنه مما اقتناه من قبل ومما اشتراه من بعد من جياد الخيلن التى عرضها إلهامى باشا للبيع، وكان هذا أعظم قسم للتربية فى مصر، إذ كان به ثمانون فرسًا وثلاثون حصانًا، أهدى منها خيلاً جيادًا إلى الملك فيكتور عمانوئيل وملك فيورتيمبرغ.
قائمة خيول عباس باشا التي اشتراها علي شريف
حصل علي باشا شريف على مجموعة من خيول عباس باشا الأول، أنعمَ بها إلهامى باشا عليه، كما أنعمَ إلهامى باشا عليه بـ 500 فدان فى تفتيش المحلة. وهنا يتضح سر حب على باشا شريف رئيس الغرفة التجارية فى ذلك الوقت لإلهامى باشا، ومحاولة الحفاظ على خيوله، فالأطيان التى أنعم بها إلهامى باشا على “علي باشا شريف” كانت عام 1855، أى بعد وفاة والده عباس باشا بعام.
بعد وفاة إلهامى باشا حاول علي باشا شريف شراء أكبر مجموعة من خيول عباس باشا التى عُرِضت للبيع فى مزاد عام 1961، واختار الخيول بناءً على نصيحة على باشا الشماشرجى، وهى:
جازية: فرس لونها أزرق صقلاوية جدرانية من الرولة.
سمحة: فرس صقلاوية جدرانية، أبوها براك بن الزبينى من فدعان، والحصان الزبينى هو الحصان الذى نجد صورته منشرة ويمسكه مملوكى.
فرس ابن نقادان: يكتبها الكثير على أنها حصان طلوقة دهمان شهوان من مربط عبد الله ابن نقادان من العجمان، والصحيح أنها أنثى وليست ذكرًا، ومن الواضح أنه اختلط الأمر على الكثيرين، حيث إنها كان يطلق عليها اسم “طلقة”.
نورة: ويُطلَق عليها اسم شلفاة فرس، لونها أزرق، دهماء شهوانية، إنتاج خليل الحجر من بنى هاجر من قبيلة مرة.
هجلة: فرس لونها أحمر، دهماء شهوانية من قحطان.
شويمة: من سلالة شويمة سباح من عتيبة.
حرقا: من سلالة كحيلان أبى عرقوب.
جلابية فيصل: وهى الوزيرة من سلالة كحيلان جلابى من خيول البحرين.
الطلايق:
- الزبينى: حصان لونه أزرق، صقلاوى جدرانى، مواليد عام 1844، من خيول براك ابن الزبينى من فدعان.
- سمحان: حصان دهمان شهوان، إنتاج عباس باشا الأول.
- شويمان سباح: حصان إنتاج عباس باشا الأول.
- سعيد: حصان دهمان شهوان، إنتاج عباس باشا الأول.
- وزيرالعوبلى: حصان كحيلان جلابى إنتاج البحرين.
- سويد: حصان لونه أزرق صقلاوى جدرانى من الرولة.
علي شريف يقتني الرسنين المُفضَّلين لعباس باشا
حرص علي باشا شريف، خلال شرائه لخيول عباس باشا الأول، أن يقتني نفس الرسنين اللذين فضَّلهما عباس باشا الأول، وهما الرسنان الأساسيان لخيوله، حيث أحب الرسن الصقلاوى الجدرانى والرسن الدهمان شهوان.
ومن الواضح أن علي باشا الشماشرجى، الذى نصح علي باشا الشريف باقتناء هذه المجموعة من الخيول، كان هو الآخر يحب هذين الرسنين، فلقد أرسله عباس باشا الأول أكثر من 20 مرة إلى الجزيرة العربية؛ لجلب كرائم الخيول إلى إسطبلات عباس باشا.
وكان يرى أنه “من حسن حظ مصر أن الخيل التى اشتراها على باشا شريف كانت من أحسن الخيول، وبَقِيَتْ فى مصر، وبذلك واصل ما ابتدأه عباس باشا من تربية أجود الخيول العربية، وهى آنئذٍ فى أعلى منزلتها عند أغنياء مصر الذين كانوا يقتنونها للتظاهر بها مطهمة بسروجها الفضية والذهبية، تروح وتغدو فى شوارع مصر العامرة، وكان متوسط ثمن الحصان منها ٣٠٠ جنيه مصرى ذهبًا”.
والمعروف أنه لولا حياة على باشا شريف الطويلة، لانطفأ نبراس شهرة مصر فى مسألة الخيول العربية.
علي باشا شريف يترك قصره ويقيم بملحق إسطبل الخيول
رغم ضخامة قصر علي باشا شريف ذى الـ 500 شرفة، إلا أنه تركه، وكان يقيم إقامة دائمة فى مقر ملحق بإسطبل الخيول.
كان القصر محاطًا بحديقة مُسوَّرة، وسيطر على الشارع بأكمله، وكان نهج بوابة القصر مناسبًا تمامًا لحالة الباشا القوى، والحاجز من اليمين إلى اليسار يتشكل من الأشجار، كما تم تأمين الحديقة تأمينًا قويًّا نزولاً على المنحدر الخطى لطريق توقُّف أحدهما أمام بوابة ضخمة، وكانت هناك بوابة أصغر لاستقبال الأشخاص الأقل قدرة على القيادة إلى فناء الباشا. كان الفناء طويلاً، وفى نهايته جدار واقف بالقرب من شجرتين من أشجار البنيان.
قد يتساءل المرء عن حجمها فى توسيع جذورها المتشابكة التى لا تُعَدُّ ولا تُحصَى ومنطقة الظل عريضة الأوراق، ولم يفشل “بلانت” فى ملاحظة الأشجار الرائعة أثناء الزيارة، ومعظم التفاصيل البسيطة جدًّا، وكانت العين تنجذب بسهولة من خلال الدخول فى فناء آخر أكثر جمالاً وتنسيقًا ومقدمة وحراسة من شجرة الكروما، التى تسلقت فى جميع أنحاء الجدار والقوس الذى يحدُّها، وعندما يدخل المرء إلى الفناء الأول، يتأكد من حجم المبنى ومدى حرمه تدريجيًّا فى كلا الجانبين. كان جناح القصر زجاجيًّا على الجانب الآخر من الفناء.
وكان يوجد فى الإسطبلات كثير من البوكسات بيضاء اللون، تضم مجموعة من خيول على باشا التى لا تُقدَّر بثمن، كما كانت الحديقة فى مثل جمال القصر لا تختلف عنه فى شىء. كانت مليئة بالزهور والأشجار المغطاة بالكروم فى العريشة وأشجار الكاكاو المنسجمة والمتداخلة. وفى الواقع كان مخططًا فخمًا بأكمله، وخلفيته مناسبة لأكثر مجموعة من الخيول الصحراوية فى العالم وقتها.
جمع على باشا شريف 400 جواد من أفضل جياد العرب حول العالم، ومع ذلك غزا طاعون الخيل مصر، وقضى على العديد من السلالات الجيدة، وتم إنقاذ فقط تلك الخيول التى أرسلها إلى صعيد مصر.
وكان الحصان فيزر الأكثر شهرة فى مصر، والذى لم يُهزَم على المضمار فى جميع المسافات، من الخيول التي نجت من ويلات الطاعون.
ماذا قالت الليدي بلانت عن خيول علي باشا الشريف؟
تقول الليدى آن بلانت عن خيول علي باشا شريف فى مذكراتها: كنت متحمسة جدًّا للقاء علي باشا شريف، فعندما ذهبت إلى إسطبلاته، وجدت معظم الطلائق زرقاء، وشاهدت الحصان الوزير، أبوه الزبينى وأمه جازية، وكان عمره 18 عامًا، كما شاهدت الحصان شويمان، أبوه جربوع وأمه شويمة، وكان حصانًا متميزًا، ورأسه جميل جدًّا، وشاهدت الحصان عزيز، حصان لونه أشقر، أبوه الحصان حرقان، وأمه عزيزة، وكان محجل الأربع متضخم العرقوب، واستخدمه على باشا شريف وعمره ثلاث سنوات كحصان طلوقة، حيث كان لديه فضول أن يرى هل سيتم توريث الحجل الأربع، وهذا سر استعجال الباشا فى طلوقته، حيث كان على باشا لا يحب توريث التحجيل، فإذا قام الحصان بتوريث التحجيل، كان سوف يستغنى عنه، وكان عمر الحصان أربع سنوات أثناء الزيارة، كما أن تضخم العرقوب لا يُورَّث؛ لأنه إصابة.
وتشير الليدى آن بلانت فى مذكراتها إلى انبهارها بالفرسات التى رأتها، فقد خطفت قلبها الفرس حرة، وهي فرس زرقاء اللون، وهذه الفرس شقيقة الحصان وزير الصقلاوى الجدرانى، كما رأت فرسين لونهما أحمر من سلالات دهم النجيب، وكان صعبًا الاختيار بين البنت وجدتها نورة، وقد نفقت الجدة بعد ذلك أثناء طاعون الخيل.
وتضيف بلانت: وعَدَنا علي باشا شريف بتقديم لستة مكتوبة لخيوله، والتى كان يصل عددها إلى أكثر من 100 جواد، ولكنه لم يُوفِ بهذا العهد، فلم يكن على استعداد لأن يعطى معلومات أو يفصح عن خيوله التى يمتلكها، سواء الخيل التى أخذها من عباس باشا، أو الخيول التى استجلبها من الجزيرة العربية.