المتأمل فى تاريخ الخيل المصرية، يدرك بيقين أنها وجدت عناية ورعاية كبرى وغير مسبوقة منذ عهد الفراعنة. فأول من اهتم بالخيول هو الملك أحمس، عندما قرر طرد الهكسوس من طيبة، فدرس أسباب تفوقهم العسكرى، ووجد أنه يكمن فى العجلة الحربية التى يجرها ثلاث خيول، فقرر تربية خيول قوية ذات تراكيب جسمانية عالية؛ ليتمكن حصانان فقط من جر العربة الحربية والمناورة بها، لتكون أكثر مرونة من العربة التى يقوم بجرها ثلاث خيول، وكان هذا سر التفوق على الهكسوس، وبالفعل نجح أحمس فى طرد الهكسوس وتكوين إمبراطورية قوية.
ويُعَدُّ أحمس صاحب أول برنامج تربية خيول بشكل منظم، ولقد سجلت الرسوم الصخرية والحجرية صورًا للخيول، وأبدع الفنان المصرى القديم فى رسم ونقش صور الخيول الجميلة على جدران المعابد والمقابر الفرعونية، وقد مُثِّلت الخيول على الآثار دائمًا وهى تشبُّ أو تضرب بقوائمها فى وضع الجماح. وكان يتم استخدام ذكر الخيل فى أغلب الأحيان.
ويرجع الهدف الأساسى لاهتمام الفراعنة بالخيول إلى اعتمادهم عليها فى خوض المعارك، وأنها السر الكامن لتفوُّقهم على الأعداء؛ فهى سلاح الحرب الذى يقود عجلاتهم الحربية الشهيرة، بالإضافة إلى أنها سر النماء؛ لأنها تُستخدَم فى الأعمال الزراعية والنقل، أى أساس ازدهار التجارة.
سايس كلمة فرعونية
أرجعَ وليم نظير فى كتابه “الثروة الحيوانية عند القدماء المصريين” لفظ “سايس” إلى أنه مشتق من الاسم المصري القديم “سسم”، كما أن طريقة اللجام المستخدمة فى الفرس هى نفس الطريقة المستخدمة الآن، وكذلك الأعنة والشكيمة.
وتَعدَّى اهتمام المصريين القدماء بالخيل والعناية بها كل الحدود، بعد أن سأل الإله “حورس” عن أنفع الحيوانات للحرب، فقيل له الخيل التى يلحَق الإنسان بها عدوه، فيقتله؛ لذا أطلق الفراعنة على خيولهم أسماء رنَّانة، مثل: “آمون يمنح القوة، وآمون إله النصر”.
رمسيس الثاني وتحتمس يطوران من الحصان المصري وبيناخى يوصي بدفن خيوله معه
كانت خيول رمسيس الثانى تحتاج إلى ثلاثة من السُّيَّاس؛ ليستطيعوا شد لجامها والسيطرة عليها.
وسجل رمسيس الثانى سطورًا خاصة بالخيل؛ ليتأكد أن الأجيال القادمة سوف تكون على علم ودراية بأصالة الخيول التى يمتلكها قائلاً: “لقد حاربتُ بيدى، وتصدَّيْتُ لملايين الشعوب، وقوتى فى طيبة ومنف تمثلت فى خيولى العظيمة، والتى كانت فى يدى عندما كنتُ وحيدًا فى خِضِمِّ العدو المرتجف؛ لذلك فإن غذاءها يقدم لها أمامى كل يوم بالقصر”
كان هناك مكان شرفى فى الإسطبلات الملكية مخصص للخيول المفضلة لدى الملك، تُقدَّم لها حصة غير محدودة من الطعام، وذلك بعكس باقى الخيول، وكذلك الأمر بالنسبة لزينتها، فإنها كانت مختلفة عن باقى الخيول.
ولقد اعتنى تحتمس بتعليم ابنه أمينوفيس الثاني التعرف على أفضل أنواع الخيول الموجودة بالإسطبلات الملكية، وأمره بالاعتناء بها، وعلمه كيف تطيعه، حيث كان على يقين تمام بأن ابنه قادر على مسك زمام الإمبراطورية التى أسسها، وكان أمينوفيس الثانى فى سن الثامنة عشرة، وكان ناضجًا، فتعلم كل دروس الحرب، وتعلم أيضًا كيف يدرب الخيل ويركبها، ولم يكن هناك من هو أحسن منه فى الجيش، ولم يكن هناك من يستطيع هزيمته فى أى سباق للخيل.
ويُذكَر أن أمينوفيس الثانى سافر إلى سوريا؛ لجلب أفضل ما بها من خيول وعربات، وأصبحت مصر فى عهده المركز القيادى الأساسى للخيول فى الشرق، واحتوت الإسطبلات الملكية للفرعون والجيش على ألف من أفضل الخيول العربية الأصيلة.
وفى عهد تحتمس الرابع استُخِدمت الخيول لصيد الأسود والحيوانات المفترسة، وقام بتدريب الخيول على السرعة والسباق، فأُطلِقَ على الخيل فى عهده “أسرع من الريح”، وأصبح هذا التشبيه يُطلَق على الخيول العربية الأصيلة؛ لأنها سريعة مثل الريح، ويأتى نبينا الحبيب محمد بن عبد الله بالرسالة من ربه، ونعرف أن الخيل خُلِقت من ريح الجنوب.
كما سجل ملك النوبة القديمة “بيناخى” الكثير عن الفراعنة وخيولهم، حيث اهتم بالخيول مقارنة بمن سبقه، كما أنه تم اكتشاف العديد من الإسطبلات الملكية، التى كانت تعتنى بتربية الخيول، وكانت قيمة هذه الخيول لا تُقدَّر بالذهب والفضة. وقبل وفاته أوصى بأن تُدفَن معه أربعٌ من خيوله؛ بسبب حبه لها، وحتى تقوم أرواحها معه فى العالم الآخر، ودُفِنت الخيول وهى واقفة تنظر إلى أسفل.
الفراعنة يربُّون أجمل سلالات الخيل ويزينونها بالذهب والفضة
تَفنَّنَ الفراعنة فى تزيين خيولهم، وصنعوا لها سروجًا وأغطية زُيِّنت بالذهب والفضة. ومن أجمل ما تم الكشف عنه فى مقبرة الملك “توت عنخ آمون” غطاء الفرس الخاص به، وكان مصنوعًا من الجلد المذهب والملون، وصُوِّرَت عليه مناظر بديعة للفرعون، فالخيول فى مصر حصلت على اهتمام كبير منذ عصر الفراعنة، وتم الاهتمام بتربية أغلى وأجمل سلالات الخيول العربية، وحافظوا عليها طيلة قرون عديدة.
الخيل العربي المصري يقود الفراعنة في معارك حاسمة
كانت الخيول سر قوة المصريين القدماء وأهم أسباب النصر، حيث نجح تحتمس الثالث، الذى أُطلِق عليه “نابليون مصر القديمة”، فى التوغل شمالاً فى نهر الفرات بالعراق والقضاء على مملكة “ميتانى” وتوسيع الإمبراطورية المصرية إلى ما وراء نهر الفرات، وأحضرَ كل خيول مملكة “ميتانى” والعربات والأسرى إلى مصر، وكان الميتانيون أول من أقاموا سباقات للخيول، واعتنَوْا بخيول السباق، فهم رواد فى تربية وإدارة كل مراحل تدريب خيول الفرسان.
كما كانت الخيول سببًا رئيسيًّا فى قضاء الفراعنة على الحيثيين فى معركة قادش. والحيثيون القدماء هم الذين عاشوا فى الأناضول بسوريا فى الألف الثانى قبل الميلاد، ووُجِدَت لديهم معلومات هامة عن فن تربية الخيول، منها أن الفترة الكافية لتدريب الخيول هى سبعة أشهر؛ وذلك لكى يستطيع الخيل الالتزام بالقواعد والشعور بالموالاة لصاحبه. ووفقًا لأحدث الأساليب فى ذلك العهد، استأجر ملك الحيثيين فى ذلك الوقت الخيول التى يركبها من مملكة “ميتانى”، وجعل إمبراطوريته تتميز بخيول الحرب التى يمتلكها.
ففى معركة قادش عندما تَيقَّنَ ملك الحيثيين أنه مُقبِل على الهزيمة من جيش تحتمس، أرسل “أنثى خيل” فى مواجهة عربة من عربات خيول الجيش المصرى؛ أملاً فى إحداث ارتباك فى المعركة، فينقلب الأمر، إلا أن الذى حدث هو قفز أحد الجنود، ويُدعَى “أمنحتب” من عربته، وإيقاع أنثى الخيل على قدمها، حتى أمسكها، وقتلها، وقطع ذيلها، وأعطاه للملك، وسقط الحيثيون فى معركة قادش.
ونظرًا لقوة وعظمة الخيول المصرية، حصلت فى عهد الفراعنة على شهرة عظيمة عند سائر الأمم المعاصرة لهم، وقد ذكر في التوراة (الملوك الأول – 4: 28 و29) أن سيدنا سليمان عليه السلام كان يشترى الخيل التى تلزمه من مصر بمائة وخمسين شاقلاً من الفضة للجواد الواحد، وذلك من جماعة التجار الذين يتنقلون بين مصر وسوريا.