حصل أدب الخيل على شعبية كبيرة فى الأفراح والمناسبات السعيدة؛ فلم يكن فى الماضى تتوفر الفرق الموسيقية فى الريف وقاعات الأفراح أو الـ”دى جيه”، وكان الطبل البلدى والمزمار هما العنصر الرئيسى والأساسى فى كل الأفراح، وحدث ارتباط وحب بين قلوب المصريين وخيولهم الراقصة، وأصبح هناك رواد لأدب الخيل أو الخيول الراقصة، ينتظرون الأفراح لمشاهدة معشوقهم الجميل.
نتج عن ذلك تطور مهارات الفروسية الشعبية وفرسانها، وأصبح هناك نوع من المجاملات فى الأفراح، وهناك من يقوم باستئجار الخيول الراقصة، وأصبح الفرسان يتفنَّنون فيما يقدمونه لإشعال حماس الجمهور والحصول على التشجيع المستمر، بل أصبحت السمة الأساسية للأفراح المتميزة فى الريف وجود الخيول الراقصة.
كما استحوذت الخيول على خيال الفنانين المصريين المعاصرين، ومن بينهم الفنان رفعت أحمد، الذى اشتُهِرَ بتصويره الإبداعى لهذه الخيول الراقصة، مُظهِرًا جمالها وذكاءها وأفعالها الحيوية وروحها الجميلة وتفاعلها مع الموسيقى.
لم تسجل المعابد أى لوحات فنية لرقص الخيول، ما يعني أن رقص الخيول لم يكن موجودًا فى عصر الفراعنة. فاللوحات سجَّلت العجلات الحربية وانتصار الفراعنة على الهكسوس، وكذلك اهتمام أمينوفيس الثانى بسباق سرعة الخيل.
ومن المرجح أن يكون رقص الخيول وجد اهتمامًا بين الجنود، ولكن ليس على نفس الشكل الموجود عليه الآن، فغالبًا كان الجنود يشعلون نار المخيم، ويستعرضون خطوات خيولهم من أجل الترفيه بتجهيزات بسيطة.
آلاف الجنيهات لصناعة الرخت لخيول الرقص
تزامن تطور هذا الإرث الشعبى مع صناعة “الرخت” أو السروج، فأصبح من التميز لهذه الخيول العريقة إعداد السروج المميزة التى تتكلف آلاف الجنيهات؛ من أجل التباهى بـ “الرخت”، ونتج عن ذلك صناعة اللجام الذى يتم تركيبه فى فم الحصان. ومن الألجمة ما هو حامٍ وبارد ومتوسط. وبدأ الاهتمام باللجام منذ العهد المملوكى، حيث تم إعداد أسطوات متخصصين منذ عهد السلطان الناصر بن قلاوون ومن خلفه.
نتج عن اهتمام العائلات المصرية بأدب الخيل إنتاج خيول تحمل كل صفات الجمال والكمال والاستجابة للتدريب، وأصبحت خيول الأدب الجيدة غالية الثمن، دون الاهتمام بـ: هل الحصان مختوم أم غير مختوم، فهناك فترة كانت العائلات تربى فيها الخيول، ولا تقوم بختمها. وتَفوَّقَ فى هذا المجال عائلة مهنا ودبوس فى البحيرة، وبلال فى المنوفية.
ازدهار المشغولات لتزيين خيل الرقص
أدى ازدهار أدب الخيل إلى ازدهار صناعة المشغولات اليدوية الخاصة بالأشكال المزخرفة التى تستخدمها الخيول فى الحفلات والخرز الأزرق والجلود والصوف والحرير الملون والقماش الملون؛ من أجل صناعة الأشكال والزخارف الساحرة؛ لتجهيز مستلزمات الخيول التى تتماشى مع المهرجانات والمناسبات بأشكال مختلفة، وكذلك صناعة خرزة القلادة الذهبية العريضة، مثل التى ترتديها النساء البدويات؛ من أجل جذب انتباه الخيول.
يبدأ تدريب الحصان على الرقص عندما يكمل 3 سنوات من عمره، ويستمرُّ تعليمُه لمدة عام. وخلال هذا العام يتم تعليم الحصان الأساسيات ومحاولة إعطائه إحساس الإيقاع. وهناك بعض الخيول التى تقوم بذلك تحت توتر وضغط وخوف من العقاب، ونتيجة الضغط والخوف هناك بعض الخيول التى لا تستطيع الرقص بالشكل الصحيح.
وهناك خيول أخرى تؤدى بجاذبية وليونة وحب. وهذا يرجع إلى المدرب، وكذلك دم الحصان الحار، فالفارس يجب أن يتوفر لديه الإحساس؛ لكى يستطيع التحكم فى الحصان وحركاته التى تتطلب الهدوء من الفارس؛ ليشعر الحصان بالثقة، ويؤدى بارتياح وانبساط دون توتر، فالحصان يحتاج إلى بناء عضلات قوية، وكذلك التوازن والليونة؛ لكى يتم التعبير عن الحركة الصحيحة.
التحدى الأكبر لأدب الخيل
لا بد أن يُنظَر إلى أدب الخيل كمسابقة أو حفلة، ولكن من خلال النمط الحديث، وهو إظهار ما بداخل الحصان بأسلوب مهذب باستخدام الأرطمة العادية والركابات العادية، وجَعْل الحصان يؤدى الخطوات التى يقوم بها أثناء التدريب بدون أى وسائل عنف؛ فنحن نريد تدريب الحصان وهو سعيد وفَرِحٌ، ويشعر بحالة من الانبساط أثناء تأدية ما يُطلَب منه، دون خوف من العقاب أو نزول دم من الفم أو البطن؛ نتيجة استخدام اللجام والركابات الحامية. وهنا نكون قد دخلنا لعالم الترويض العالمى. ومن الممكن استخدام الموسيقى العادية وليس الطبل والمزمار فقط. وهذا التحدى مطلوب من أجل تصدير الفلكلور الشعبى المصرى “رقص الخيل” إلى كل دول العالم.
وهنا يُطلَب من الهواة أيضًا العمل، فقد قام حسين محجوب والدكتور جلال عبد الرازق ومحمد عبد البارى بتدريب خيولهم والفوز بها فى المهرجانات. والآن على الهواة العمل من أجل تطوير أدب الخيل.