قرر محمد علي باشا إنشاء إسطبلات فخمة كبيرة جديدة في سهل شبرا بعد مسافة قصيرة من السكن الصيفى له ، المبانٍ أكثر اتساعًا وفخامة ؛ جيدة التهوية تليق بمكانة الباشا العظيم، وتعكس مدى حبه للخيول ، حيث كانت شبرا عبارة عن حدائق فخمة، وأهم ما فى هذه الحدائق انفساحها ومدى حسن تنسيقها ومكانها بقرب النيل على مسافة فرسخ واحد تقريبًا من القاهرة شمالاً، ويوصِّل إليها طريق واسع مستقيم مظلل بالأشجار، وتحوى هذه الحديقة دارًا خلوية أنشأها الوالى على نمط المبانى البيزنطية، وجمع بداخلها من الرياش الجميل والأثاث الثمين ما يلفت النظر بحسنه تنسيقًا فى الوضع وسلامة ذوق فى الاختيار.
وبطرف الحديقة المقابل لهذا القصر الجميل الجليل أنشأ محمد كشكًا ظريفًا، وهو عبارة عن بناية مربعة، وأقام فيها الأعمدة من الرخام والمرمر الشرقي، وجعل بداخلها نافورة جميلة من رخام إيطاليا (كرارى) ينبثق منها الماء المستمد من النيل بواسطة إحدى السواقى، فيظل المقيم بجوارها يستشعر طراوة طويلة يسكن إليها، ويضاء القصر والكشك أثناء الليل بجهاز من الغاز الهيدروجينى، يقوم على إدارته وتعهُّده عامل ماهر من الإنجليز.
والطباق متوافر بين جمال الحديقة وجلال المبانى الضخمة التى تحويها، ففى الحديقة ما لا يُعَدُّ ولا يُحصَى من صنوف أشجار الفاكهة المختلفة والأشجار المجلوبة من الخارج، وهى ثمينة القيمة بندرتها وعدم وجود ما يضارعها، والنباتات العطرية التى يتألف من مجموعها على اختلاف أشكالها وألوانها ما يجذب النظر، والتى لا تُقارَن بأمثالها في الحدائق الأوروبية.
باحات كبيرة ونوافير وملاعب بإسطبلات شبرا
كلف محمد علي باشا الطبيب الفرنسي هامونت بوضع الخطط المطلوبة لمعيشة الخيول الجيدة في إسطبلات شبرا، وقام بالتنفيذ أكفأ المهندسين وأمهر الصناع. كانت الجدران من الحجر المقطوع، وتم تقسيم الإسطبل بالطول إلى جزأين متساويين مع باحات كبيرة، وفى وسطها نوافير كبيرة للخيول؛ للشرب منها، وتم عمل أسوار عالية وبوابات من الحديد، وإنشاء حدائق للخيول ومنيش للتريض ومسارات للتشغيل.
وكانت المنطقة عبارة عن سهل خصب تكثر فيه محاصيل الذرة والقطن، وكان أمام الإسطبلات أشجار يبلغ ارتفاعها 7 أقدام، تحتوى على 110 من الأشجار.
وكانت المبانى واسعة للغاية ونظيفة، والملاعب كبيرة، بحيث تسع 30 من الأمهار بها؛ للتريُّض والتعرض للشمس.
بدأت الخيول فى تلقى تدريب المشى مسافات طويلة بشكل متكرر، كما تم تحرير الفحول والأفراس والمهرات من أغلالها، وتم السماح لها بالركض فى المراعي. وتنوعت الأعلاف “البرسيم – الشوفان – الشعير المسحوق – البرسيم الحجازي”، حيث تم جلب بذوره من مكة، والتى أثبتت أنها مناسبة جدًّا ومفيدة للخيول.
مهرات غاية في الجمال والقوة بإسطبلات شبرا
تطور برنامج تربية الخيول فى إسطبلات محمد على باشا فى غضون سنوات قليلة جدًّا، وكانت النتائج واضحة، حيث حدث نمو فى حجم جسم المهرات وزيادة فى الطول مع مظهر جذاب، وأصبحت إسطبلات شبرا مركزًا تجريبيًّا أو مدرسة عملية، حيث يمكن لأى شخص مهتم أن يتعلم أحدث أساليب التربية والعناية بالخيول.
كان محمد على باشا يقوم بزيارة إسطبله الجديد، وكان سعيدًا بالنتائج التى حققها برنامج التربية، حيث تمتع النتاج بالجمال والقوة والجسم الموزون، ومع تحسين صحة الحيوانات بشكل عام أظهر الفحول والأفراس قوة أكبر بكثير، وفى عمر السنتين كانت المهار فى شبرا أكبر من الخيول البالغة من العمر 4 سنوات التى وُلِدت فى المرابط الأخرى.
تمكن هامونت من تنفيذ برامج رياضية على مدار السنة، ولكنه أشار إلى أن مهار الربيع أفضل من مهار الشتاء، وأن الأفراس ذات الجسم الممتلئ بسمنة أكثر عرضة للأمراض، وعمليات التزاوج لديها تتم بصعوبة. أما الأفراس التى يتم الحفاظ عليها، ويكون جسمها معتدلاً، فتكون أقل عرضة للأمراض، ويكون التزاوج لديها سهلاً.
كان يتم الفطام للمهرات في عمر ثلاثة أشهر، ولاحظ أن حجم المهرات يأتى بشكل خاص؛ بسبب الطبيعة ونوعية الطعام.
يقول هامونت إن الخيول التى تُربَّى فى مصر تتمتع بشكل وجمال، وقد احتوى مربط شبرا على 32 من الفحول و450 من الأفراس، كانت من نجد وسوريا، وأنتجت أفضل المهرات وأجملها، وتَميَّز الإنتاج عن الآباء والأجداد فى الجسم والشكل، وكذلك الارتفاع والحجم.
كان الباشا يختار الأجمل لاستخدامه الشخصى ولأسرته، ويرسل باقى الخيول إلى المحافظات للخدمة العامة، ويقدم منها هدايا.