نجح الأمير عمر طوسون فى الجمع ما بين الانتساب إلى البيت الحاكم والاقتراب من الشعب وطوائفه المختلفة، والثراء العريض والجد فى العمل، والاشتغال بالعمل العام والانغماس فى الدرس والتأليف، والالتحام بقضايا الوطن والإحساس بهموم العالم الإسلامى.
ومَلَكَ فوق ذلك كله مروءة عالية تنهض لنجدة الملهوف والمحتاج من الأفراد والمؤسسات والأمم، وكان تعلقه بالواجب يباري تخلقه بالأدب الجَمِّ، فكان صورة صادقة للأمير العالِم، تشهد على ذلك بحوثه ومؤلفاته، وهو السياسى الوطنى، ويدل على ذلك وقوفه مع المجاهدين المصريين، والثرى المحسن الذى وضع ماله وجاهه فى خدمة وطنه.
الأمير عمر طوسون هو الابن الثانى للأمير طوسون بن محمد سعيد بن محمد على مؤسس مصر الحديثة، وُلِدَ فى الإسكندرية يوم الأحد 5 رجب 1289م هـ الموافق 8 من سبتمبر 1872م، ولما بلغ الرابعة من عمره فقد والده، فكفلته وربته جدته لأبيه، وأشرفت على تعليمه.
كانت دراسته الأولى فى القصر، ثم استكملها فى سويسرا، وبعد تخرجه تَنقَّلَ بين عدة بلدان أوروبية، مثل: فرنسا وإنجلترا، وشاهد ما هى عليه من حضارة وتقدُّم، ووقف على ما وصلت إليه من رقى وتطور فى مجالات الصناعة والزراعة، وعاد إلى الوطن محملاً بزاد كبير من العلم والثقافة وإجادة الإنجليزية والفرنسية والتركية، وعَزْمٍ على إصلاح بلده والتجديد فيها.
الأمير عمر طوسون منتج خيول الجيش والشرطة
قاد الأمير عمر طوسون العديد من التجارب لإنتاج خيول قوية بالقطر المصرى؛ لخدمة الجيش والشرطة. تولى رئاسة قومسيون الخيل فى عام 1887م. وبعد فشل القومسيون أُسْنِدَت أعمال تربية الخيول إلى الجمعية الزراعية الملكية بقسم تربية الجاموس بتفتيش بهتيم فى عام 1907م.
ففى عام 1892م تم تشكيل قومسيون الخيل برئاسة الأمير عمر طوسون؛ للعمل على تحسين إنتاج الخيل وانتخاب الأفراس وتدوينها بالدفاتر، وقُدِّرَ لهذا القومسيون مبلغ 1000 جنيه.
وخلال عام 1908م أُنشِئَ قسم تربية الحيوانات بالجمعية الزراعية الملكية، والذى حمل عبء التربية، وأُسْنِدَ إليه أيضًا أعمال القومسيون، وعمل هذا القسم على زيادة أعداد الخيول.
وفى عام 1914م استطاعت الجمعية الزراعية الملكية أن تحصل على خيول مُنسَّبَة ونقية الأصل من إسطبلات الخديوى عباس حلمى الثانى والأمير محمد على والليدى بلانت.
وفى عام 1919م اشترت الجمعية 18 رأسًا من إسطبلات الليدى وينتورث لتحسين الإنتاج.
واختارت الجمعية سنة 1928 مكانًا على مساحة 55 فدانًا فى بقعة صحراوية تقع على بعد 20 كيلومترًا من قلب القاهرة، وأنشأت إسطبلات أكثر اتساعًا وعلى أحدث الطرز، وتركت حولها فضاء فسيحًا؛ لترويض النتاج، وسُمِّيَت “إسطبلات كفر فاروق”.
وبهذا وصلت الجمعية الزراعية الملكية إلى ما كانت ترمى إليه من إنشاء هذا القسم، وهو الاستمرار فى الإبقاء والحفاظ على الخيول العربية الأصيلة، التى اشتُهِرَت بها مصر، والتى حافظت على أنسابها على المدى الطويل، دون أن تخالطها أى أنساب أخرى، وبَقِيَت نقية الدم والأصل محفوظة النسب.
وفى عهد الأمير عمر طوسون أسْنِدَ قسم تربية الخيول إلى الدكتور أحمد مبروك، وسُمِحَ له بالسفر إلى الجزيرة العربية والعراق؛ للبحث عن الطلائق التى تتماشى مع برنامج الجمعية، وفقًا لما دوَّنَه الدكتور أحمد مبروك فى كتابه “رحلة لبلاد الشرق”، كما كلف الدكتور عبد العليم عشوب بتسجيل تاريخ الخيل.
عمر طوسون رائد البحوث الزراعية والقرى النموذجية
تولى عمر طوسون رئاسة الجمعية الزراعية الملكية سنة (1351هـ 1932م)، وكانت تُعنَى بشئون الزراعة فى مصر والعمل على نهضتها، وقد أسسها السلطان حسين كامل وتولى رئاستها، ثم خلفه عليها الأمير كمال الدين حسين، وبعد وفاته تولى أمرها الأمير طوسون.
نهض طوسون بالجمعية، ووسَّع من دائرة عملها، وكان لشغفه بالعلم وحبه للبحث العلمى أثر فى توجيه الجمعية، وأجْرِيَت التجارب على مختلف الأراضى الزراعية وطرق إصلاحها وما يناسبها من الأسمدة، وأنْتِجَت عدة سلالات من القطن والقمح والشعير، وأقيمت لأول مرة فى مصر تحت إشرافه تجارب الصرف الجوفي وتأثيره على جذر النبات ونموه.
واهتم طوسون ببحوث الحشرات، وأعلن عن تقديم جائزة مالية قدرها خمسة عشر ألف جنيه لمن يبتكر علاجًا لإبادة دودة ورق القطن، وشجع الجمعية على إعداد كميات كبيرة من التقاوى الممتازة للمحاصيل الرئيسية؛ لتوزيعها على المزارعين.
ويُذكَر له أنه أنشأ عددًا من القرى النموذجية المزودة بالمرافق الضرورية، وأرسل إلى الحكومة المصرية كتابًا يقترح فيه أن تبدأ برنامجًا منظمًا لإصلاح قرى القطر المصرى.
واتجهت الجمعية أثناء رئاسته إلى نشر بعض المؤلفات العلمية المتصلة بالزراعة، مثل الحشرات الضارة فى مصر لـ”ولكس”، وقوانين الدواوين لـ “ابن مماتى”، والأحوال الزراعية فى مصر لـ”جيرار”، والخيول العربية للأمير محمد على، فضلاً عن المطبوعات التى تتضمن نتائج البحوث العلمية التى تقوم بها الجمعية.
دور عمر طوسون العلمي والاجتماعي والوطني والرياضي
كان الأمير عمر طوسون مهتمًّا بالجوانب العلمية والاجتماعية والوطنية والرياضية، ففى الشؤون الاجتماعية يكفى دليلاً على اهتمامه بها أنه تَرَأَّسَ أكثر الجمعيات الأخلاقية والأدبية، كجمعية “منع المسكرات” وغيرها من الهيئات، التى شملها برعايته، وأنفق عليها من سَعَة، كما أنه صاحب مؤلفات عظيمة القيمة؛ لدقة مباحثها التاريخية، وتُعتبَر رحلاته العلمية فى الصحراء من وجهة نظر المتخصصين من أكثر خدماته للعلم.
ووصف متخصصون الأمير عمر طوسون بأنه يكاد يكون من أكثر الأمراء اهتمامًا بالشؤون العامة، بالإضافة إلى مواقفه فى الحركة الوطنية التى لا تُحصَى، وهو أول من فكر فى تأليف الوفد المصرى سنة 1918 للمطالبة بالحرية والاستقلال.
والأمير عمر طوسون هو الأب الشرعى لنادى سبورتنج، حيث ظل رئيسًا للنادى منذ تأسيسه فى 1890م حتى وفاته 1943م.
تم افتتاح نادى سبورتنج رسميًّا فى أولى حفلات سباق الخيل، وظلت إدارة النادى فى تلك الفترة تدار بلجنة عامة يتم اختيارها من بين الأعضاء، وفى 1912 ضمت الأمير عمر طوسون رئيسًا، والميجور “إف. إي. هازلدن” قائد الحامية العسكرية البريطانية بالإسكندرية فى ذلك الوقت نائبًا له، بالإضافة إلى خليل باشا خياط، وحسن محسن باشا، وبورتون باشا، و”إيه. إى. بيانكى”، والبارون “جى. ميتش”، وباركر، وريتشموند، و”جى. بى. رودكانكى”.
وظلت اللجنة تدير النادى حتى قيام الثورة، وبجانبها لجنة تنفيذية ولجنة لسباق الخيل، كانت أهم لجنة تدرُّ عائدًا كبيرًا يساهم فى تمويل ميزانية النادى، يرأسها عادة رئيس النادى أو نائبه، بالإضافة إلى بعض اللجان الرياضية الأخرى، أشهرها فى ذلك الوقت البولو والتنس.
وظل سبورتنج تحت رعاية العرش الملكى ورئيسه الفخرى إما الخديوى أو الملك.
وفاته
كانت حياة الأمير مليئة بالأعمال الجليلة، وشغل وقته بالبحث والتأليف والمشاركة فى العمل العام والإسهام بالرأى فى قضايا الوطن، ولم يكن مثل معظم أفراد البيت المالك ممن شغلتهم حياتهم الفارغة عن الجد، بل كان قريبًا من عامة المصريين، يَعُدُّ نفسه واحدًا منهم، ويعمل على تحسين أحوالهم حسب قدرته.
وقبل وفاته بأكثر من عشر سنوات كتب وصية تخص مكتبته العامرة، وكانت تضم نحو ثمانية آلاف مجلد من نفائس الكتب والمخطوطات والصور والخرائط، والتى يندر أن تجتمع عند أحد، وأوصى بأن تُهدَى هذه المكتبة إلى المتحف الحربى والمتحف اليونانى الرومانى بالإسكندرية ومكتبة بلدية الإسكندرية.
تُوفِّىَ الأمير عمر طوسون يوم الأربعاء (30 من محرم 1363هـ = 26 يناير 1944م)، وكان قد أوصَى بألا تقام له جنازة، ونفذ له الملك فاروق وصيته، مقتصرًا على تشييع الجثمان الذى شارك فيه الوزراء والأمراء وكبار رجال الدولة.