على الرغم من التطور التكنولوجى الهائل الذى يشهده العالم خلال العقود الماضية، وبخاصة الطفرة فى صناعة السيارات، إلا أن عدد من الدول الكبرى لاتزال تحافظ على تقاليد الأجداد فى استخدام أفضل الجياد وأفخر أنواع العربات خلال بعض المراسم الرسمية الخاصة.
ولعدة قرون مضت كانت الدول تتسابق بأفضل الجياد وأفخر العربات من جميع الأشكال والأحجام، وتتفنن فى تزيين تلك العربات بالأطقم الفاخرة، كما كان الملوك يهتمون بملابس الفرسان الذين يقومون على خدمة مراكبهم الرسمية، وتميزت كل أمة عن غيرها بالمركبات الملكية فى الحفلات الرسمية.
وخاضت مصر هذا المضمار كغيرها من الدول وبخاصة فى عهد الخديوى إسماعيل باشا، حيث كانت الاسطبلات الخديوية معرضا عظيما للجياد الأصيلة والعربات الفخمة والملابس الفاخرة من مختلف الألوان والأشكال، وكانت هذه الإسطبلات تشغل عدة أماكن منها ماهو خاص بركائب الخديوى فى الحفلات الرسمية، وماهو خاص بالأمراء أبناوه، وماهو خاص بالحريم، وماهو خاص بالحاشية، بينما لم يتبقى من كل إلاالمكان المخصص حاليا لإدارة الإسطبلات الملكية فى شارع فؤاد الأول.
ومع تولى الملك فؤاد الأول عرش مصر، حذا حذو والده فى العناية بالركائب الملكية، فأنشأ فى أول عهده مصلحة أطلق عليها مصلحة جلالة الملك، وقسمها إلى إدارتين:
*إدارة الإسطبلات الملكية وإدارة السيارات الملكية، وأسند الإشراف على كل إدارة إلى “ياور” من “ياورانه”، ولما كانت إدارة الإسطبلات الملكية تحوى ما بقى من عهد الخديو إسماعيل باشا كثيرا من العربات النادرة، فقد اقتضت إدارة الملك الراحل طيّبا تجديد جميع عربات التشريفة الكبرى وغيرها من العربات.
وزاد عليها من الأنواع الحديثة ما لم يكن موجودا من قبل حتى صارت المركبات الملكية فى مصر تضارع أمثالها فى أكبر الدول، وقد استحضرت لذلك الجياد الكريمة والملابس المختلفة الأشكال كما احفظ بعض السروج والملابس والأدوات القديمة التى كانت تستعمل فى عهد الخديو إسماعيل والعهود التى تليه ، ما جعل إدارة الإسطبلات متحفا عظيما كما شهد بذلك كبار الزوار الأجانب.
فهنا كعربات التشريفة الكبرى وهى مخصصة للملك وحاشيته فى الحفلات الرسمية الكبرى عند إفتتاح البرلمان، وبعضها مخصص للوزراء المفوضين عند تقديم أوراق إعتمادهم، وبعضها استعمل فى حفلات الزفاف فى العهود السابقة، كما توجد عربات آخرى فاخرة لركوب الملوك الأجانب عند زيارتهم الرسمية لمصر، وعربات للملكة وحاشيتها، وعربات للركوب العادى والتنزه فى الحديقة وآخرى عديدة لتعليم الجياد وتمرينها يوميا.
ولكل نوع من تلك العربات جياد وأطقم وملابس خاصة، أما الجياد فتستورد من الخارج لندرة وجود هذا النوع منها فى مصر، وتقوم الإدارة بتوزيعها على المركبات على حسب ما يناسب كل منها، حيث يحتاج ذلك إلى عناية كبيرة وجهد عظيم لا يشعر بهما الكثيرين.
وبينما يعجب الإنسان بالعربات والجياد وما تحمله من الأطقم الجميلة التى تبهره بروعتها، ولا يقدر كيف أعد كل هذا ولا كيف أصبحت هذه الجياد وديعة سهلة القياد ، على الرغم مما يحيط بها أثناء سيرها فى المواكب الرسمية من المظاهر والمفاجآت والمناظر الغريبة التى لمتألفها.
وأسندت إدارة الإسطبلات الملكية إلى البكباشى عثمان المهدى “ياور” الملك فى أوائل العام 1929، وبإرشاد الراحل الملك “فؤادالأول”، فأصبحت العربات تؤسس وتجدد فى مصر بأيادى مصرية، وكذلك الأطقم والملابس والأدوات الآخرى أصبحت كلها تصنع فى مصر.