أدهشتني إدارة السيد القصير، وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، لملف الحظر. فرغم أن الوزير الحالي لا يحمل شهادة دكتوراه في الزراعة مثل من سبقوه، إلا أنه يحمل شهادة إبداع مُوثَّقَة بالواقع العملي.. فهو يخطط جيدًا، ويقرأ الملفات بصورة دقيقة مختلفة عن غيره، ويحل الطلاسم والألغاز التي ورثها ممن سبقوه.
أقرب مثال لإبداعه ملف تصدير الخيول المقدمة إلى الاتحاد الأوروبي، ذلك الملف الذي قضى 10 سنوات، حمل خلالها عن جدارة شعار “سمك لبن تمر هندي”. فكل ما طلبه الاتحاد الأوروبي من مصر، والمفترض أن تنفذه وزارة الزراعة متمثلة في الهيئة العامة للخدمات البيطرية، كان لوغاريتمات، رغم أن ما طُلِبَ من مصر في البداية كان جميعه إجراءات نظرية.
وعندما قررت الوزارة أن تتحرك، وصدر القرار الوزاري 888 عام 2016 الخاص برفع الحظر المؤقت عن مصر من قِبَلِ الاتحاد الأوروبي، لم يتم تنفيذ ما جاء في القرار الوزاري، فقد نصت المادة السابعة على حضور لجنة من الاتحاد الأوروبي لرفع الحظر عن مصر بشكل دائم في عام 2017، ومع ذلك لم تُوجِّهْ وزارة الزراعة خلال السنوات الماضية أي دعوة للاتحاد الأوروبي لحضور اللجنة!
أما المادة الثالثة من القرار الوزارى، والتي نصت على وجود إجراءات وقائية للأمراض، فلم تُنفَّذْ، وهذا ما كشفه الوفد السعودي.
حتى تطبيق منطقة خالية من الأمراض للتصدير للاتحاد الأوروبي لم تُستوعَبْ بالشكل السليم لدى الهيئة العامة للخدمات البيطرية، وهذا ما كشفت عنه زيارة الوفد السعودي لمصر.
فمصر بها محجر واحد فقط مُخصَّص للتصدير، ومن الوارد حدوث وباء في أي وقت، وهنا يتوجب طرح سؤال: في حالة حدوث وباء بالمحجر “الواحد الوحيد”، أين البديل؟
وهكذا ظلت هذه الأمور غير المفهومة ولا المنطقية، حتى تَولَّى السيد القصير وزارة الزراعة؛ ليُمثِّلَ بداية جديدة في عهد الحصان المصري. فلم يجد ملفُ الحظر أبًا شرعيًّا يدافع عنه داخل وزارة الزراعة، إلا عندما جاء الوزير؛ لتعكس إدارته لهذا الملف البسيط “اللوغاريتماتي” الدقة والسرعة والحرص على تذليل العقبات؛ من أجل النهوض بصناعة الخيل وفتح الأسواق أمام الحصان المصري.
والواقع يقول إن الخطوات التي اتُّخِذَت في ملف الحظر خلال الشهرين الماضيين لم تتحقق على مدار 10 سنوات، حيث تم مخاطبة الاتحاد الأوروبي بملفات مستوفاة عن مرضي الرعام (السقاوة) والزهري، وجارٍ إعداد ملف مرض طاعون الخيل الإفريقي؛ حيث إن مصر غير مصنفة في هذه الأمراض الثلاث، ورفع الحظر بشكل دائم يتطلب إثبات خلو الدولة بالكامل منها.
وبالفعل تم إرسال خطاب للمملكة العربية السعودية؛ ردًّا على الخطاب الوارد من اللجنة التي زارت مصر في يونيو 2019.
ويعمل وزير الزراعة بشكل مستمر من أجل رفع الحظر عن مصر بشكل نهائي، فيقرأ الملفات بطريقة بسيطة بعيدة عن اللوغاريتمات، ويعمل على تذليل العقبات، ويُمنطِّق الأمور، بحيث يضع كل كلمة في مكانها الصحيح.
هذا النموذج من الوزراء هو ما تحتاجه مصر، الذي يقرأ بذكاء، ويأمر بخبرة، ويتابع بحنكة، دقة التنفيذ.
والحق أن القصير سابق عصره؛ فتوجيهه للمُختصِّين في اجتماع اللجنة التي شكلها بنفسه لإدارة ملف الحظر بفكره بإنشاء محطات الخيل المطورة يعكس مدى إدراكه الحقيقي لواقع صناعة الخيول.