تَوقَّفَ الأمير محمد على توفيق طويلاً أمام “قوام الخيول العربية“؛ لتحديد المواصفات المثالية لأعضاء جسم الخيل، خاصة الآذان، والعيون، والجبهة، والمِنْخرَيْن، والذيل، والرقبة.
كما تناول قوام الخيول، فأبرزَ محاسن ألوانها، خاصة الأحمر، والأبيض، والأشقر الداكن، واللون الأسود.
وقدَّم خلاصة تجربته فى مجال تربية الخيول، فشدَّدَ على أن شهادة النسب إن لم تُعزِّزْ حسن الهيئة وجمال المنظر بدلائل فعلية فى جودة النسل، فإنها تكون قصاصة ورق لا قيمةَ لها، وأشار إلى أن أفضل مواعيد التناسل ما كان فى أول الربيع؛ حتى يتم الوضع بعد مرور الصقيع، وعند حلول الصقيع الثانى يكون المولود ذا قدرة على احتماله.
وقال: مدة الحمل فى الخيول العربية أحد عشر شهرًا أو تزيد قليلاً. وبعد الوضع وقطع السرة يُدلَّكُ المهر باليد مع قليل من الزبدة الطازَجة، ويُرفَع الذيل إلى أعلى، ويُشمَّم المهر شيئًا من البصل لتنبيهه، ثم يُرضَع. ولا يصح أن يُغفَل ربط بطن الفرس بضعة أيام؛ منعًا لارتخائه.
ويجب أن تكون للفرس رقبة طويلة وبطن متسع، وهذا شرط أساسى فى فرس الإنتاج؛ لأن مثل هذه الفرس تلد أمهارًا أقوياء أصحاء، ويمكن أن تنتج مثل أجدادها السالفين أمهارًا جميلة.
وكشف الأمير عن سر عادة العرب إعطاء الأمهار لبن النوق، متسائلاً: هل هذا هو السبب فى امتياز الخيول التى تُربَّى فى بادية العرب بقوة الاحتمال على الخيول الأخرى؟
ويجيب عن تساؤله قائلاً: خصَّصوا لبن الجمال والماعز لهذا الغرض، ولم يقولوا لبن البقرة ولا الجاموسة؛ لأن الأولى بطيئة، والثانية تنام فى المستنقعات.
وعن ركوب الخيل وتعليمها قال: يعتقد كثير من الناس أن الضباط المدربين فى مدارس السوارى هم أقدر الناس على تدريب الخيل، ولكنى أعتقد أن تجار الخيل أقدر الناس على ذلك، حيث إن الحصان الذى يعلمه الضابط فى عدة أشهر قد يعلمه التاجر فى بضعة أيام بطريقة عملية.
الأمير محمد علي توفيق يكشف سبب استعانة جميع الأمم بالحصان العربي
كشف الأمير محمد علي توفيق سبب استعانة جميع الأمم بالحصان العربي، بقوله: إن جميع الأمم تستعين بالحصان العربى فى تحسين خيولها؛ لأن السرعة والصفات التى يمتاز بها لا توجد فى أى جنس آخر من الخيول، وقوة التحمل كامنة فيه، ولكنها لا تحتاج إلا لمجهود بسيط لإظهارها وتحسينها.
وجَزَم بأن الغرب مدين للشرق بإعطائه مزايا الحصان العربى، وأكبر دليل على ذلك الحصان الإنجليزى الذى تَناسَلَ من الحصان العربى “دارلى” سنة 1705م.
دارلي العربي أوجدَ الحصان الإنجليزي الأصيل
ورأى أن إدخال الحصان العربى “دارلي” أوجَدَ الحصان الإنجليزي الأصيل، وهذا بدوره استُعْمِلَ لتحسين نتاج الخيول فى ممالك كثيرة، وعليه يمكن القول إن ذلك كان سببًا فى إكساب إنجلترا ملايين الجنيهات.
الأمير محمد علي توفيق يحذر من تهجين الخيل العربية
وعاب على العرب أنهم لم يقوموا بعمل كتب تُسجَّلُ فيها أنساب الخيل كما يفعل الأوروبيون؛ وذلك لانهماكهم طوال الوقت فى الحروب، حيث لم يكن هناك ود وصفاء متبادلان بين القبائل.
وأعربَ عن أسفه؛ لأنه أصبح من الصعب الحصول على خيول عربية ممتازة؛ لأن التمدُّن جعل اقتناء الخيول من الكماليات، وليس من الضروريات كما كان، وابتدأ الأتراك بتهجين الحصان العربى بالخيول الأوروبية لتنمية جسمها، حتى إن السلطان عبد الحميد نفسه أطلق على أفراسه العربية الأصيلة خيولاً إنجليزية وجرمانية وهنجارية.
وأخيرًا رغِبَ محبو السباق بمصر فى سرعة الخيول، فهجَّنوها من خيول إنجليزية، فأنتجت خيولاً بَيْنَ بَيْنَ، واعتُبِرَ بعضُها “خيولاً عربية”.
الأمير وعلاقته بالخيل
يقول الأمير محمد على توفيق عن علاقته بالخيل: “أحببتُ الخيل منذ حداثتي، وابتدأت أمتطى جيادى منذ كان عمرى ست سنوات، وكان معلمى هو الباشا الجركسى الذى أرسله جدى المغفور له عباس باشا الأول أكثر من عشرين مرة لشراء أصل الخيول العربية وجلبها إلى مصر، حتى قيل إن مجموعة الخيول التى كانت لعباس باشا الأول لم يحرز مثلها إلا الملك سليمان”.
وكان الباشا الجركسى لا يملُّ الحديث عن رحلاته، ووَصْفِ ما اشترى من الخيول، حتى أشرَبَ قلوبنا حب الخيل، وعندما كنتُ أذهب إلى السيرك، كان كل اهتمامى بألعاب الخيل الخلاَّبة وليس بالمهرجين وغيرهم.
ووَفْقَ شهادته للتاريخ، تَركَّزَ جُلُّ اهتمام الأمير محمد على توفيق فيما بين سن الخامسة عشرة والخامسة والعشرين من عمره على ركوب الخيل المطهمة، والمعيشة فى الخيام مع البدو، حتى إنه فى عيد الملكة فيكتوريا ركب حصانه الأبيض، وأتى بألعاب مدهشة أعجبت الجميع فى العرض الملكى.
وعن كتاباته فى مجال تربية الخيل فوراءها أسباب موضوعية، أبرزها تجربته الشخصية التى امتدت إلى خمسة وثلاثين عامًا، وفى الوقت نفسه غياب حقائق مهمة عن كتب الأوروبيين فى هذا الموضوع.
يقول: لا تنسوا أن فى تربية جواد عربى جميل المنظر مملوء بالحياة سرورًا عظيمًا؛ لأنه صورة حية.
إن النابغ فى فن التصوير لا يمكنه محاكاة صورة جميلة ما لم ينطبع فى نفسه جمال تلك الصورة حتى يمكنه أن يُمثِّلَها بريشته، كذلك الحال فى تربية جواد عربى أصيل بلغ حد الكمال، فإن لم تنطبع فيه صورة الجواد نادرة المثال، فلا يكون نتاجه بالغًا حد الكمال.
فلنترك إذًا الرغبات، ولنبدأ فى العمل الجدِّىِّ بالاستمرار فى الحصول على جياد الخيل والعناية بها، مع المحافظة على النسل الجيد كما فعل سلفنا الصالح.