من يقرأ التاريخ جيدًا، ويطالع الوثائق والمستندات، يعلم أن إلهامى باشا حافظ على خيول أبيه، وأن الخيول تكاثرت فى عهده، وأنه من حبه الشديد للخيل أصبح يقدمها هدايا لمن يحب، خاصة أن لديه خيولاً لم تكن لدى أحد، ممثلةً فى الكنز الذى اهتم به أبوه.
عقد إلهامى باشا مزادًا لبيع بعض الخيول، وبيعت بثمن كبير. ويحكى الأمير محمد على توفيق عن المزاد الذى نظمه إلهامى باشا قبل وفاته بأشهر وباع فيه 240 حصانًا، حيث شملت 180 من الأمهار، و30 حصانًا و10 أفراس، ونظرًا لتميز الإنتاج؛ فقد بيعت الأمهار عمر سنة بمبلغ 100 جنيه، والأمهار الثنائى 250 جنيهًا، والحصان 700 جنيه. أما الأفراس الطاعنة فى السن التى بلغت من العمر 20 عامًا فبيعت بمبلغ 50 جنيهًا.
وهذه الأثمان، رغم قلة المال فى ذلك الوقت، لو قارنا هذه الأسعار بوقتنا الحالى؛ لوجدنا أن الحصان بيع بأكثر من 5 ملايين جنيه. ويُثبِت هذا المزاد أن إلهامى باشا كان مربيًا متميزًا.
ويوضح كتاب الأوامر أن عدد الخيول التى كانت فى إسطبلات إلهامى باشا بلغ 2825 حصانًا، أى أنه حافظ على كنز الخيول العربية الأصيلة التى تركها له والده.
ففى إسطبل العباسية كان موجودًا 304 من الخيول، وفى إسطبل المطرية كان موجودًا 133 من الخيول. أما إسطبل الجبل فقد بلغ عدد خيوله 183، ووصل عدد الخيول فى إسطبلات تفتيش هورين 665 حصانًا، بينما بلغ عدد خيول إسطبلات تفتيش القليوبية 257 حصانًا. أما بالنسبة لإسطبلات تفتيش الشرقية فبلغ عدد خيولها 555 حصانًا، ووصل عدد الخيول فى إسطبلات قسم أول الغربية 285 جوادًا، وإسطبلات تفتيش الحفلك كان يوجد بها 443 جوادًا.
ثراء إلهامي باشا صهر السلطان العثمانى
كان إلهامى باشا من أكثر رجال أسرة محمد على ثراء. وبعد وفاة والده لم يفكر أحد فى نزع ثروته الخاصة؛ فهو صهر السلطان العثمانى.
امتلك إلهامى باشا 6 وابورات، تسير فى الخط الملاحى من إسطنبول إلى الإسكندرية عن طريق أزمير فى الذهاب، وتعود إلى الآستانة عن طريق مرسيين، وكانت أسعار التذاكر 980 مليمًا لتذكرة الدرجة الأولى و280 مليمًا للتذكرة على سطح الوابور.
حمل الوابور الأول اسم “برونس تكو”، ويقوده القبطان فينوبولست، والوابور الثانى “لندن” يقوده القبطان جتمون، والثالث “كايرو” يقوده القبطان إبرادفنش، والرابع “مريال” يقوده القبطان على قبطان، والخامس “ينوكوأترلى” يقوده القبطان زاروفتش. أما الأخير “اليخت إلهامي” فكان يقوده القبطان هنسون.
أنعمَ إلهامى باشا على السيد على باشا شريف بـ 500 فدان فى تفتيش المحلة ومجموعة من الخيول، وهنا يتضح سر حب على باشا شريف رئيس الغرفة التجارية فى ذلك الوقت لإلهامى باشا، ومحاولة الحفاظ على خيوله، فالأطيان التى أنعمَ بها إلهامى باشا عليه كانت عام 1855، أى بعد وفاة والده عباس باشا بعام، وبلغت الأطيان التى أنعمَ بها إلهامى باشا على رجاله المخلصين 2260 فدانًا.
أهدى إلهامى باشا خلال عام 13 جوادًا، حيث أرسل إلى الشريف محمد بن عودة 3 خيول، وأحمد باشا يكن ناظر الجهادية 2 من الخيول، و3 إلى كامل باشا، وواحدًا لقاضى المحروسة، وواحدًا إلى سليمان باشا الفرنساوى، وواحدًا للشيخ الباجورى، واثنين إلى أرتين بك.
كانت الدائرة الإلهامية منتجة، وتحقق أرباحًا عالية، حيث باعت الدائرة الإلهامية نتاج الأراضى الزراعية بمبلغ 4506 ورقة عام 1859، بينما حققت معامل استخراج الردم 11866 ورقة.
أما بالنسبة لأطيان دائرة المغفور له إلهامى باشا، حسب إحصاء عام 1275 هجرية، أى قبل وفاته بعامين، فقد أظهرت الوثائق أن إلهامى باشا زاد من الأطيان التى ورثها عن والده عباس باشا بنحو 3 مرات، وهذا يوضح أهمية الدائرة التى بلغت مساحة أطيانها 62843 فدانًا.
وبلغت المرتبات الشهرية المخصصة للعاملين بالإسطبلات 22376 مليمًا شهريًّا، بينما بلغ إجمالى المرتبات 129531 مليمًا شهريًّا تُصرَف إلى 666 موظفًا ومستخدمًا، وبلغ صافى الإيرادات 51030.45 ورقة.
درس إلهامى باشا الفنون العسكرية بمدرسة العباسية، ثم عُيِّنَ ناظرًا للجهادية في عهد والده.
وفى سنة 1269 هـ تَوجَّهَ إلى الآستانة، ونزل فى ضيافة السلطان عبد المجيد خان، فجعله نسيبًا له (داماد) وزوَّجَه إحدى بناته (الأميرة منيرة سلطان) فى 31 يوليو 1857، ورُزِقَ منها بنتًا واحدة، هى أمينة هانم إلهامى زوجة الخديوي توفيق ووالدة الخديوي عباس حلمى الثاني.
تُوفِّىَ إلهامى باشا غرقًا فى مضيق البوسفور فى أسكدار سنة 1277 هـ، ونُقِلَ جثمانه إلى مصر.
شائعة بيع إلهامي باشا الخيول من أجل الدَّيْن
كثيرًا ما يردِّد الأجانب شائعات بهدف التقليل أو الطعن فيما لدينا من مزايا، فمن يقرأ التاريخ جيدًا، يعلم أن جزءًا كبيرًا مما كتبه المؤرخون والمستشرقون عن الخيل العربي ليس بحقيقي، وأنهم يتلقَّوْنَ ما يكتبون من العامة، خاصة ما روَّجوا له بأنه تم بيع كتب وخيل إلهامي باشا لسداد الديون التي كانت عليه، فالوثائق الرسمية الموجودة بدار الكتب تؤكد أن كتب إلهامى باشا التى بلغ عددها فى مكتبته الخاصة 1707 كُتُب تم بيعها فى المزاد العلنى، حيث إن زوجته بنت السلطان العثمانى قررت أن تعود إلى الآستانة وتُربِّىَ ابنتها الوحيدة أمينة إلهامى هناك. ونظرًا لأنها الابنة الوحيدة، ولم تنجب أى بنين؛ باعت كل ما هو من وجهة نظرها ليست بحاجة إليه؛ لذا تم عقد مزاد علنى لبيع الكتب فى سراى الحلمية بمصر المحروسة، ابتدأ هذا المزاد يوم الجمعة 20 سبتمبر عام 1861، على أن يُعقَدَ المزادُ كل يوم ثلاثاء، ويستمر إلى حين الانتهاء من الكتب، وتم عمل إعلان بأسماء الكتب، وتولى أدهم باشا وكيل تركة المرحوم إلهامى باشا ورئيس قومسيون التركة بيع الكتب.
وتم عمل كُتَيِّب به فهرست الكتب المختلفة عن المرحوم إلهامى باشا، ولا يزال محفوظًا حتى الآن بدار الكتب والوثائق المصرية برقم 42/ ج مكونًا من 32 صفحة.
فإذا كان البيع لصالح البنوك المصرية كما زعم وكتب فون هيوغل عن رحلته إلى مصر لحضور المزاد العلنى على خيول عباس باشا، فلن يكون هناك مزاد لبيع الكتب.
وجاء في التقرير المطبوع في كتاب “الخيل العربية الأصيلة”، تأليف الأمير أ.غ. شيرباتوف، والكونت س . أ. ستروغانوف، الصادر عن مكتبة الملك عبد العزيز العامة عام 1999 م، مراجعة وتحرير الدكتور عوض عطا البادى ردًّا على الادعاء: فإذا نظرنا إلى التقرير نجد أن تاريخ المزاد خاطئ، ومن البديهى من أخطأ فى تاريخ المزاد هل سينجح فى كتابة المعلومات الصحيحة؟ والأمر الثانى أن فون هيوغل أشار إلى أنه عندما ذهب إلى مصر عام 1852 كان لدى عباس باشا 1000 رأس، ويؤكد أنه عندما زار مصر عام 1856 كانت قد سُرِقَت خيول عباس باشا، وهلكت، وضرب مثلاً أن البدو هاجموا الإسطبل فى الصحراء بمنتصف طريق السويس وسرقوا الخيل، وأنه شخصيًّا رأى أنقاض المبنى، والأمر الثالث يؤكد أنه لم يتبقَّ من الخيول إلا 350 حصانًا فقط.
وتكذِّب الوثائق الرسمية كل ما ادَّعاه فون هيوغل، حيث إن الوثائق الرسمية المحفوظة فى دار الكتب تؤكد أن خيول إلهامى باشا وصل عددها إلى 2825، موزعة فى 8 إسطبلات ذكرناها من قبل، ولم تذكر الوثائق وجود أى خيل فى إسطبلات الدار البيضاء، بينما ادَّعى هيوغل أن عدد الخيول التى بَقِيَتْ بعد الهلاك لدى إلهامى باشا 350 جوادًا. ويقول إنه شاهد 1000 جواد عندما زار عباس باشا الأول عام 1852، أى أن الوثائق تثبت أن إلهامى باشا اعتنى بخيول والده عباس باشا، وضاعف أعدادها.
وهذا يُثبِت حرصه على كنز الخيول التى تركها له والده. أما قصة تدمير جزء من إسطبل الدار البيضاء فهى معلومة، وليست كما كتبها أن البدو أرادوا سرقة الخيل، وإنما الحقيقة أنه تم تفجير هذا الجزء من الإسطبل بالدنياميت؛ للبحث عن كنز عباس باشا المدفون فى إسطبلات الدار البيضاء.
وثائق تكذب شائعة هيوغل بيع إلهامي باشا الخيول لسداد الديون
نعرض الوثائق التى تُثبِت عكس ما ذكره هيوغل عن رحلته لمصر؛ لشراء خيول من مزاد إلهامي باشا لملك فيورتيمبرغ بألمانيا، كما نعرض ما كتبه فون هيوغل؛ لنضع بين يدى القارئ الحقيقة كاملة دون أى تدخُّل منا.
كتب فون هيوغل فى تقريره أن إلهامى باشا هو الوارث الوحيد لأبيه عباس باشا، ولم يكن يبلغ سوى الثامنة عشرة من العمر، لكنه لم يكن مهتمًّا بالخيل مثل أبيه، فلم يَعتنِ بمزرعته الموروثة، ولقد صعب عليه أيضًا الاحتفاظ بكل هذا العدد من الخيول، فقرر التخلى عن بعض منها، فحصل ملك فيورتيمبرغ بألمانيا عام 1858 على فحل رمادى منها أسماه “إلهامي”، ثم حصل على الحصان “سليمان” والفرس “ظريفة”. وعندما تزوج إلهامى باشا ابنة السلطان العثمانى، أرسل إلى إسطنبول مجموعة من الخيول، وكثيرًا ما كان يهدى أفضل الخيول إلى القسطنطينية ولأصدقائه، يهدى واحدًا أو اثنين أو ثلاثة خيول، فلم يبقَ من ألف رأس إلا ثلاثمائة وخمسين رأسًا.
واستغل الإداريون عدم مبالاته بالمزرعة، فأخذوا يكسبون الخيول منه بالسرقة والاحتيال، وانتقلت أفضل خيول المزرعة إلى أيدى الهواة الأغنياء بتقديم الرشاوى للسُّيَّاس،.وفى عام 1860م حدث ما لم يكن بالحسبان، إذ توفى إلهامى باشا فجأة، فأودِعَت ممتلكاته لدى البنك المصري، وقررت الحكومة المصرية بيع خيول عباس باشا المؤلفة من ثلاثمائة وخمسين جوادًا بالمزاد العلني.
ويذكر رئيس مزرعة “فيورتيمبرغ” بألمانيا فون هيغل، والذى كان حاضرًا فى المزاد بمذكراته قصة ذلك المزاد بنوع من التفصيل، فيقول:
فى أواخر أكتوبر سنة 1860 م بلغ ملك فيورتمبيرغ بألمانيا خبر وفاة إلهامى باشا، ابن عباس باشا، وبَيْع خيوله بالمزاد العلني، وأرسل بنك مصر إعلانات وقوائم الخيول التى ستُباع إلى عناوين مختلفة، علمًا بأن المزاد العلنى كان قد عُيِّن موعده فى العاشر من ديسمبر، فأرسل الملك رئيس مزرعته للخيول فون هيغل إلى مصر؛ ليشارك فى المزاد، وبفضل إشعار بنك مصر الوارد فى الوقت المناسب أتيح لهواة الخيول العربية فى أوروبا إمكانية حضور المزاد العلني.
ويقول فون هيغل فى مذكراته: وصلتُ إلى العباسية قبل أسبوع من بداية المزاد، وكان لدىَّ وقت كافٍ لاستطلاع الخيول فى الإسطبلات، وليس بإمكان شىء أن يثير اهتمام الهاوى أكثر من منظر هذا الإسطبل، والذى كان محظورًا على مثلى الدخول عليه عندما كان عباس باشا حيًّا، وكان يضم كافة ممثلى أنواع السلالة العربية.
كانت الخيول مجموعة فى ثمانى قاعات محاطة بجدران عالية من الحجارة، ومقسمة إلى مقصورات بسيطة مغطاة لحماية الخيول من الشمس الحارة، ولكنها لم تكن تحجب السماء كلية. وهذا النوع من الحظائر كان مناسبًا لمناخ مصر، وكانت شرفات قصر عباس باشا تطل على كل هذه الحظائر التى أعدها للخيل بعناية.
وقد خصص للبيع حوالى ثلاثين حصانًا (أربعة عشر منها للاستيلاد)، ومائة وعشرة أفراس، ومائة وثمانين مهرًا، وكان أكثر ما أثار الدهشة أفراس كحيلة نواق بما تتسم به من طول وقوة، ولا تقل تكوينًا عن أى حصان صيد إنجليزى.
ويعترف “فون هيوغل” بأنه لم يكن يتوقع من قبل أن هناك خيولاً عربية كبيرة بهذا القدر.
وقد عُرِضَتْ فى المزاد العلنى نماذج خيل صقلاوى جدران ودهمان الشهوان.
وبالإضافة إلى ذلك كانت هناك نماذج جيدة من صقلاوى مرادي، ودهمان أم عامر، وكحيلان نواق، وكحيلان وبيري، وهدبان، وربدان.
وكانت أكثرية هذه الجياد بلون رمادي، ثم أشقر، وأخيرًا كميت. وكانت هناك أيضًا سلالات مجهولة، وعلى سبيل المثال: شهران من الجنوب الغربى للحجاز؛ القريب من البحر الأحمر.
وكانت فرسان من هذا النوع تتميزان بشكل أصيل وعمق السرج وقوائم قصيرة وبنية قوية، غير أنهما كانتا طويلتى الظهر قليلاً، وحجم الكَفَل صغير مع وضعية عالية للذيل.
بدأ المزاد العلنى عمله فى الساعة العاشرة من صباح العاشر من ديسمبر، وترأس هيئة المزاد أدهم باشا، وزير المعارف السابق فى عهد عباس باشا.
وعلق برقبة كل جواد بطاقات كتبت عليها الأوصاف باللغة العربية. وخُصِّصَ مكان للأوروبيين على اليمين من رئيس المزاد، ومكان على اليسار لمختلف ممثلى الشرق. وجرى المزاد العلنى باللغتين العربية والإيطالية، علمًا بأن الأسعار كانت تُعلَنُ من قِبَلِ ثلاثة سماسرة كانوا يتحركون بين صفوف المشترين. وحُدِّدَت الأسعار بالجنيهات الإسترلينية، وكثر فى هذا المكان المزاح والفكاهة على الطريقة المصرية المعروفة، فلعب “البقشيش” دوره فى بعض الصفقات.
وهذه الفقرة فى التقرير غير صحيحة بوصفه أن البقشيش لعب دورًا مهمًّا، فكيف يلعب البقشيش دورًا فى مزاد علنى يحضره ممثلو ملوك وأمراء وباشوات وأعيان؟! وهل البقشيش هنا لممثلى علية القوم كى لا ينافسوا بعضهم بعضًا، خاصة أن أدهم باشا رئيس المزاد من أخلص رجال عباس باشا، وعلى باشا شريف من رجال إلهامى باشا، وعمل جاهدًا على شراء أفضل الخيل ليستكمل مسيرة عباس باشا وابنه إلهامى.
وتابع هيوغل: استمر المزاد ثلاثة أسابيع، وبيع يوميًّا من الساعة العاشرة صباحًا حتى الساعة الثالثة مساءً ما لا يزيد على خمسة وعشرين إلى ثمانية وعشرين رأسًا.
وفى اليوم الأول بيع عشرون جوادًا بمبلغ خمسمائة جنيه لكل منها، والتى عمرها سنتان بمائتين وخمسين جنيهًا، والأفراس التى عمرها عشرون سنة بمائة وعشرين وبمائتين وعشرين جنيهًا. وفى بعض الحالات كان البيع بثلاثمائة وسبعمائة جنيه لكل منها.
اشترى فون هيوغل خصيصًا لمزرعة فيورتيمبرغ حصانين وثلاث أفراس: قادر، سدحان، دهمة، ذويبة، ومرية. وحَظِىَ بتقدير خاص الحصان قادر (صقلاوى جدران) ودهمة (دهمة الشهوان)، وأثار نقلهما إلى أوروبا سخطًا شديدًا بين السكان الأصليين (سكان القاهرة).
وهنا نجد تناقضًا واضحًا فى التقرير بين الفقرتين السابقة واللاحقة، كيف حدث سخط لشراء فون هيوغل حصانين وثلاث أفراس، والفقرة السابقة يقول فيها إن سكان القاهرة اشتروا أكثر الخيل، فلو كانت الخيول التى اشتراها هيوغل مهمة بالنسبة لهم لم يترددوا لحظة فى شرائها، حيث يقول:
اشترى السكان الأصليون (سكان القاهرة) أكثرية الخيول، وأرسلت إلى المرابط الصغيرة فى ضواحى القاهرة.
وقيل إن شابًّا واحدًا، وهو على بك الشريف رئيس “ديوان التجارة”، اقتنى حوالى أربعين رأسًا.
وبهذا المقدار أنقِذَت خيول عباس باشا من الانقراض، فربما تتوافر لها سبل التكاثر من جديد إذا ما وجدت لها الأيدى التى ترعاها.
ويؤكد الرحالة الروسى دوختروف ما قاله الدكتور فون هيغل من أنه بيعت فى هذا المزاد أربعة خيول لا مثيل لها فى العالم، أفضلها الحصان “قادر” الذى اشتُرِىَ لصالح مزرعة فيورتيمبرغ، عمره ست وعشرون سنة، واشتُرِىَ الثانى لمزرعة تربية الخيل النمساوية، والثالث للسلطان العثماني، والرابع اشتراه الصيرفى المليونير أوبنهايم، والمجموعة التى أخذها على بيه الشريف رئيس المحكمة التجارية فى القاهرة، وكل هذه الخيول أصلها من الحصان قادر.
ويستكمل فون هيغل كلامه، فيقول: “ولقد تَسنَّى لى عندما كنت بالقاهرة فى شتاء عام 1899م أن أتعرف على حسين بك الشريف، ابن على باشا الشريف، ووفقًا لما قاله حسين بك، فإن على بك كان الوكيل (السمسار) الرئيس لعباس باشا فى عمليات بيع وشراء الخيل”.
انتهى تقرير البارون الألماني، الذى شهد نهاية تاريخية لأعظم مربط للخيول العربية، وكان البارون على حق عندما تَنبَّأ بمستقبل الخيول التى بيعت، فالأمير على باشا الشريف حافظ على الخيول العباسية، وعمل على تكاثرها لمدة خمسة وثلاثين عامًا ثانية.
وهنا يجب أن يعلم الجميع أن تقرير هيوغل عن المزاد العلنى لخيول عباس باشا به التباس واضح بين مزاد إلهامي باشا الذي عُقِدَ عام 1860م، ومزاد عام 1961 الذي عُقِدَ بعد وفاة إلهامى باشا. وكما هو واضح فى كتب الأمير محمد علي توفيق عقد إلهامى باشا مزادًا لبيع 240 حصانًا من أعمار مختلفة حققت أعلى الأسعار. أما مزاد بيع الخيول بعد وفاته فكان نهاية عام 1861. والملاحظ أن سطور التقرير ينصبُّ كلامها على التفخيم فى ملك فيورتمبيرغ بألمانيا، وأنه هو الذى حرص أن يرسل من يشترى أفضل الجياد.
وبنهاية التقرير يبدو جليًّا أن الأوربيين يحاولون دائمًا المفاخرة بما هو ليس حقيقيًّا، وأن كلامهم ليس دقيقًا، وهو ما أكدته الليدى “آن بلانت” في مذكراتها، والتي كانت تدرك تمامًا قيمة الخيل العربي، خاصة المصري؛ لذا أسست مزرعة لها في مصر.
وتؤكد بلانت في مذكراتها ما وصلنا نحن إليه من البحث والتحري بأنه في عام 1861 قام “إلهامي” بعقد مزاد في مربطه لبيع فائض نتاج مجموعة من الخيل. في ذلك العام توفي الهامي باشا، وبعد وفاته بعدة شهور تم عقد مزاد لبيع جميع خيوله، وذهب نصفها إلى جميع أنحاء أوروبا.
وتشير إلى احتفاظ الهامي باشا بكتاب، عبارة عن مجلد صغير بحجم حوالي ست بوصات في تسعة، والذي يحتوي على مذكرة قصيرة عن الأفراس والخيول الفريدة من نوعها، ويقال إنه اعتبره ثمينًا، لدرجة أنه كان يحمله دائمًا في جيب صدره.