فاق السلطان ابن قلاوون كل سلاطين المماليك فى حب وعشق الخيل واعتنائه بها، فكان لا يتردد عن دفع المال لشراء أى فرس أصيل. وكما ذكرنا فإنه اشترى الفرس الشهيرة “القرطة” بمبلغ 64000 دينار من الذهب، وهو مثال على مدى سخاء السلطان ابن قلاوون مع عرب آل مهنا، وشدة ولعه باقتناء الخيل، وفى رواية أخرى “بنت الكرتا”، التى أحضرها محمد بن عيسى أخو الأمير مهنا للسلطان، سنة 715 هـ/ 1315م، وبلغ ثمنها مائة ألف درهم وضيعة بثمانين ألف درهم.
وكان هدفه أن يجعل مصر مركزًا إقليميًّا للخيل العربى الأصيل كما كانت فى عهد تحتمس الثالث، فجمع أجمل وأكرم جياد نجد والأحساء والقطيف والعراق، وهى ما أطلق عليها فيما بعد الخيول المصرية؛ لهذا كان يكرم العرب، ويبذل لهم الرغائب فى خيولهم، ويتغالى فى أثمانها. فإذا سمع العربان بفرس عند بدوي، أخذوها منه بأغلى القيم، وأخذوا من السلطان مثل ما دفعوه فيها.
فقد كان له فى كل طائفة من طوائف العرب عين تدلُّه على من عنده الفرس السابق أو الأصيل؛ حتى يأخذه بأكثر مما فى نفس صاحبه من الثمن، فتمكنت منه بذلك العربان، ونالوا المنزلة العَلِيَّة، وحظوا بأنواع السعادات فى أيامه.
اهتم الناصر بن قلاوون بإنشاء الإسطبلات ومضامير السباق العظيمة، وخصص فريقًا من البدو الماهرين لتدريب الخيول والعناية بها، وعمل سجلات خاصة يدوّن بها كل شىء بدقة، وكان يشرف بنفسه على ولادة الأمهار.
سار السلطان الناصر بن قلاوون على نفس خطى الفاطميين فى نموذج إدارة الإسطبلات، حيث اتخذ نظام إدارة الإسطبلات التركى، وأنشأ ديوانًا للإسطبل، وعمل له ناظرًا وشهودًا وكُتَّابًا لضبط أسماء الخيل، وشياتها، وأوقات ورودها، وأسماء أربابها، وثمنها، ومعرفة سُيَّاسها، وغير ذلك من أحوالها.
وكان لا يزال يتفقد الخيول، فإذا أصيبت منها فرس أو كبرت سنُّها، بعث بها مع أحد الأَوْجاقية إلى إسطبلات الجشار. كما كان يتابع عملية تزاوج الفرسات، ويختار لها الحصان المناسب، ويأمر بضبط تاريخ النَّزْوِ، فتوالدت عنده خيول كثيرة، حتى أغنَتْه عن جلب ما سواها، ومع ذلك فإنه كان يرغب فى الفرس التى تجلب إليه أكثر مما تتوالد عنده، حيث كان لديه ولع باقتناء الخيول والجمال، فبلغ عدد ما خلفه من الخيل عند وفاته نحو سبعة آلاف فرس.
تعليق واحد