فى الجزء الثانى من كتابه “تربية الخيول العربية فى مصر” يصف الأمير محمد على توفيق ألعاب الفروسية فى القطر المصرى قائلاً: إنه كان فيما سلف لعبة تُسمَّى “لعبة الجريد”، وكان يقوم بها القواصة الأكراد الذين كان يستعملهم الأمراء والأميرات حراسًا على الحريم.
كان هؤلاء الفرسان المهرة يصحبون عربات الأميرات فى الأعياد الرسمية وفى الحفلات، وكانوا يجتمعون فى الفضاء غير المزروع فى شبرا، الذى كان فى ذلك الوقت متنزه مصر، ويُجرون ألعابهم هناك بعد الظهر، ولكن بعد الاحتلال بطل الرقُّ، واختفى تدريجيًّا بيت الحريم، ولم تعد هناك ضرورة لاستعمال هذا الحرس، وبالتالى اختفت معهم هذه اللعبة.
وفى مصر، كما فى البلاد العربية خصوصًا فى شمال إفريقيا، يؤلف البدو فى الأفراح الكبيرة جماعات صغيرة من ستة أو ثمانية من الفرسان يهاجمون بعضهم بعضًا، ويطلقون البنادق، وهو المسمى “لعب البارود”. وهذه الحرب الهزلية كانت تثير شعور المتفرجين خصوصًا النساء، وكان الفارس منهم يقف على السرج ريثما حصانه يجرى، ثم يطلق البندقية، والبعض كان يضطجع على جنب الحصان، بحيث تظهر ماسورة البندقية أمام صدر الحصان، ثم يطلقها وهو فى هذا الوضع.
وكانت هذه الألعاب منتشرة فى وقت كان البدو فيه كثيرين فى مصر، وكان من بينهم فرسان مهرة بهذا النوع من الرياضة، ولكنهم منذ أن تركوا حياة البداوة، وانتقلوا للمدن، واشتغلوا بفلاحة الأرض كالفلاحين، اختفت الفروسية وألعابها.
ويمضى الأمير محمد على توفيق قائلاً: كان والدى يسافر إلى الإسكندرية للمصيف، وعند كل محطة يقف عليها القطار: بنها وطنطا وكفر الزيات ودمنهور، كان يستقبله العرب على جانبى الطريق، وهم راكبون خيولهم، ويجرون مع القطار وهو سائر لمسافة كيلومترين بينما يطلقون بنادقهم. وأتذكر أن أحد رؤساء البدو يُسمَّى المصرى من جهة طنطا كان عنده حصان أبيض مشهور بسرعته وقوة تحمله، وكان فخورًا به، وكان دائمًا يساير القطار لمسافة ثلاثة كيلومترات أو أكثر؛ ليبرهن أنه أحسن من غيره.
رياضات الهوارة للخيول كما وصفها الأمير محمد علي توفيق
تناول الأمير محمد علي توفيق في الجزء الثانى من كتابه “تربية الخيول العربية فى مصر” رياضة الهوارة، وقال: توجد رياضة أخرى اختص بها بعض أهالى صعيد مصر يُسَمَّوْنَ الهوارة، وهؤلاء الفرسان يدربون خيولهم على تأدية كثير من الحيل، فبعضهم يدرب خيوله على الوقوف على الأرجل الخلفية، بينما يضرب الحصان الآخر وراكبه بأرجله الأمامية كما يفعل الكنغر، والبعض الآخر يدرب خيوله على الرقص على نغمات الموسيقى أو الرقاد على الأرض أو القعود على العجز واللف بالأرجل الأمامية، إلى غير ذلك من الحيل، وبعض هؤلاء الفرسان يستمر على تأدية هذه الألعاب حتى الكبر.
ويضيف الأمير محمد على توفيق قائلاً: أتذكر أنه دعانا مرة المرحوم عمر باشا سلطان فى جهة المنيا فى (جمحانة)، وكان الفارس فى السبعين من عمره، ومن المشهورين بأنه يرجع القهقرى بحصانه؛ ليقتتل مع حصان آخر وراكبه، ولكن لسوء الحظ رفسه حصان غريمه، فوقع مَغشيًّا عليه، فظننا أنه قضى نحبه، ولكن مما سرَّنا أن عمامته كانت سببًا فى نجاته من إصابة فادحة.
ويوجد أيضًا فى الوجه البحرى بجهة بالقرب من كفر الزيات فرسان أغنياء لا يحترفون هذه الحيل للكسب، ولكن للهواية فقط، وقيل لى إن هذه الهواية ورثوها عن آبائهم وأجدادهم جيلاً بعد جيل، وسأجتهد أن أثبت هنا بعض الصور الشمسية لهذه الألعاب؛ كى أعطى القارئ فكرة عن مهاراتهم، وكل ما آسَفُ له أن الطريقة التى يدربون بها خيولهم على هذه الحيل خالية من الشفقة، ولكن مع كل ذلك فالإنسان مضطر أن يمتدح شجاعة ومهارة هؤلاء الخيالة وهم يؤدون هذه الحيل على نغمات الموسيقى.
مهاجمة الخيل للطبَّال.. من كتاب “تربية الخيول العربية فى مصر”
تحدث الأمير محمد علي توفيق في كتابه “تربية الخيول العربية فى مصر” عن الألعاب المسلية المرتبطة بالخيل، ومنها تدريب الحصان على مهاجمة (الطبَّال) وعضِّ الطبلة وشدِّها من حاملها، وقال إن: المضحك أن الحصان يهاجم الطبلة، والطبَّال الذى يعرف ذلك يجتهد فى أن يختفى من طريقه، ولكن الحصان لا يزال يتابعه حتى يقترب من الطبلة، ويمسكها ويأخذها من الرجل.
وكثير من هذه الألعاب تحصل فى حفلات الزفاف فى مختلف القرى فى الوجه القبلي، ويأتى إليها الفرسان من جهات أخرى قريبة، ويشتركون فى هذه الحفلات بتأدية بعض الحيل؛ وذلك بدافع الغيرة والمنافسة، وكلٌّ يودُّ أن يتفوق على الآخر، ولذلك فكل بلد تمدح فرسانها.
وعقَّب بقوله: وإن أَخْوَفَ ما أخافُه هو أن تضمحلَّ هذه الألعاب بمضى الوقت، وتطغَى عليها “الأوتوموبيلات” والنقل الميكانيكى الذى حل محل الخيول فى مصر، كما هو فى البلاد الأخرى.
الطحاوية: فرسان لا يُشَقُّ لهم غبار
ولا يفوتنا ونحن فى سياق الكلام عن الخيل أن أذكر أن بعض قبائل البدو فى مصر قد عملت كثيرًا من أجل السباق والصيد، وهؤلاء العرب هم الطحاوية بجهة الصالحية المتاخمة لمنطقة قناة السويس، ورؤساء هذه القبيلة أناس حميدو الخلق حسنو البزة ينطبق عليهم وصف “جنتلمان”، وهم فرسان لا يُشَقُّ لهم غبارٌ، يحبون الخيل، وعندهم منها نماذج جيدة، يزاولون اقتناص الغزال بواسطة الصقر على متن الخيل، ويدربون خيولهم على السباق، وكثيرًا ما تحرز خيولهم قصب السباق فى ميادين السباق فى مصر والإسكندرية.
وإنى أشعر أنى مدين بكلمة مدح صغيرة لهؤلاء القوم؛ لأن من يحب الخيول ويهوى الرياضة يُقدِّر كل ما يعملونه لحفظ صفات ومجد العرب والخيول العربية.