يقول الأستاذ الدكتور صلاح الدين فتحي، رئيس محطة الزهراء لتربية الخيول العربية الأصيلة، في مقدمة كتاب “شخصيات صنعت تاريخ الحصان المصري” وأنا أتصفح كتاب “شخصيات صنعت تاريخ الحصان المصري”، تذكرت قول الله عز وجل ” وَقُلِ ٱعْمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُۥ وَٱلْمُؤْمِنُونَ”.. فأيقنت أن هذا العمل ليس مجرد كتاب يضاف إلى المكتبة العربية، ضمن مؤلفات الكاتب، بل إنه عمل – في تصوري – حُقَّ له أن يتبوَّأ مكانته الشاهقة علميًّا وثقافيًّا وتاريخيًّا بين أعمال ندرت في هذا المجال، ولِمَ لا وهو مِن أوائل المؤلفات وأَوْفاها وأوثقِها وأنجزِها، التي أخذَتنا في رحلة تاريخية، قضينا فيها 110 أعوام من متعة المعرفة، نهلنا منها معلومات وافية، يصعب أن نجدها في عمل بهذا الجهد الوفير، الذي بذله الكاتب، فأثمر عملاً تزهو به الثقافة والفكر العربي.
حقًّا “الخيل معقودٌ في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، وأهلها معانون عليها”.. معانون لأن ينجحوا في تحقيق جهد بحثي من تحقيق ومراجعة، علمي من استيفاء المعلومة وتوثيقها، فكري من إثبات براعة العرب ومصر في مجال بالغ التخصص والخصوصية، وإرجاع الحق لأهله، أصحاب الفضل على كل العالم، أدبي بتقديم نص راقٍ فنيًّا، بلا إفراط ولا تفريط، فني بإخراجه الأخَّاذ البديع في كل تفصيلة من تفاصيله، عمل يمكن أن يقال عنه إنه جامع مانع، يغنيك عن غيره، ولا يروي غيره ظمأك للمعرفة. كل هذا في ظل معوِّقات شديدة، كافية بأن تحبط من يتصدى لهذا الأمر، أو يكون أقصى طموحه هو تقديم كتاب تكرار لما سبقه، وغالبًا ما يمثل رقمًا في المكتبة العربية.
لكننا أمام كتاب هو في حد ذاته صدارة، ما إن تفتح أول صفحة، حتى تجدَ نفسك داخل سطوره، تتفاعل مع كل كلمة مصوغة بإبداع، تسحبك بسحرها إلى رحلة تتخطى المكان والزمان، تتوحَّد مع الشخصيات، ترى فيها نفسك، تتفاعل مع دقة الأحداث، وبراعة التعبير وجلاء التوصيف وسلاسة التسلسل وانضباط التواريخ؛ لتنتهي مع آخر حرف بالكتاب إلى نتيجة حتمية، بنفس منطق الدراما في الأفلام العالمية، وهي أن هذا الكتاب أعادَ الحقَّ لأصحابه، وذكر أهل الفضل بفضلهم، وأوضح هذا الفضل، بما بذلوه من جهد جهيد وعرق شديد في خدمة الخيول العربية المصرية الأصيلة، وكيف تفردت في عهدهم بالقمة، وجعلت مصر قبلة مربى الخيول من شتى بقاع العالم؛ أملاً في تحسين صفات خيولهم الوراثية، وكيف لم تَضِنَّ مصر عليهم كعادتها، وجادت بالجواد، وحققت طفرة في سلالات الخيول بالعالم.
ونستنبط من اهتمام الدول بالخيول وتحسينها الحالة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لتلك الدول.
وقبل أن نأسف على تلك الفترة التي عانت فيها الخيول بمصر التهميش، نجد أنفسنا الآن أمام اهتمام من أعلى قيادات الدولة بالخيول العربية، ذلك الاهتمام الذي بلا أدنى شك سيعيدها إلى الريادة من جديد.