أحمد بن طولون هو مؤسس الدولة الطولونية فى مصر، والتى حكمت لمدة 36 عامًا من عام 868 حتى 904 م. أرسله الخليفة العبَّاسي حاكمًا على مصر، فأعلن ابن طولون نفسه حاكمًا مستقلاًّ.
بنى أحمد بن طولون مدينة القطائع؛ لتكون عاصمة له ولحكمه في مصر طَوالَ العصر الطولوني، وشيَّد فيها قصرًا كبيرًا به ميدان للعب الصولجة. كما أنشأ إسطبلاً لتربية الخيول، واهتم بعدد منها، وخلفه فى الحكم ابنه خماروَيْهِ، الذى اهتم هو أيضًا بالخيول وتربيتها.
وأصبحت رياضة الصولجان من أهم الرياضات التى تحظى باهتمام ورعاية من الحاكم نفسه. وكان الأمراء ينقسمون إلى مجموعتين: فريق مع السلطان، وفريق مع أمير الأمراء، وبأيديهم الجواكن. ويبدأ السلطان في ضرب الكرة، ثم يتناولها الأفراد بعده، وأثناء اللعب تُدَقُّ الطبول. وبعد الانتهاء من اللعب يُقدَّم لهم الشراب والفتاء.
حدث اهتمام كبير فى عهد خمارَويْهِ بالسباق، فكان يوم السباق تعلق له الزينة، مثل الأعياد، وأصبح للسباق جمهور كبير، وانتشرت فى ذلك الوقت مقولة عجائب الإسلام الأربع (عرض الخيل فى مصر، ورمضان بمكة، والعيد بطرسوس، والجمعة ببغداد).
كما أنشأ خماروِيْهِ سجلات لتدوين أنساب الخيل، وحرَصَ على ذكر كل التفاصيل واقتناء أجملها وأقواها.
الفاطميون يعيدون أمجاد الفراعنة في الخيل
لم تشهد فترة حكم الدولة الإخشيدية لمصر، والتي بلغت 34 عامًا اهتمامًا لائقًا بالخيول كما حدث في عهد سابقتها الدولة الطولونية، رغم أن محمد بن طغج الإخشيد أنشأ ميدانًا للخيول السلطانية فى بستانه الذى عُرِف بـ “البستان الكافوري”. بينما نجح الفاطميون في أن ينافسوا الفراعنة في اهتمامهم بالخيل، حتى كان عصرًا ذهبيًّا بحق.
حكمت الفاطميون مصر 98 عامًا من 969 حتى عام 1171 م، وجدت الخيول خلالها اهتمامًا كبيرًا ومنافسة، واهتمت الدولة الفاطمية بالاحتفالات والأعياد، وبنى القائد جوهر الصقلى للخليفة المعز لدين الله الفاطمى قصرًا عُرِف بـ “القصر الشرقى الكبير”، وبنى لابن المعز قصرًا آخر صغيرًا عُرِف باسم “القصر الغربى الصغير”، وبنى بجوار القصر الشرقى إسبطلاً عُرِف باسم “إسطبل الطارمة”، وبنى بجوار القصر الغربى إسبطلاً آخر عُرِف باسم “الجميزة”، وسُمِّى بهذا الاسم نظرًا لوجوده وسط جميزة كبيرة، وتمت زراعة مساحة كبيرة من البرسيم لخيول الخليفة.
2000 خيل بإسطبلات الخليفة
يقول على مبارك إن إسطبل الطارمة هو الإسطبل الخاص بالقصر، وإن مكانه الآن شارع الشنوانى وما عليه من المبانى والأزقة. وقال أبو العباس القلقشندي في “صبح الأعشى”: كان بالإسطبلات الخاصة ما يقرب من ألفى رأس من الخيول لركوب الخليفة الخاص أو للمواكب والمنح.
ولم يُسمَع عن الفاطميين أنهم حازوا من الخيول الجواد الأدهم، وكانت الخيول مقسمة فى إسطبلات عظيمة، ولكل إسطبل مدير يُسمَّى “رائض الإسطبل”، وهو ما سُمِّىَ فى الدولة التركية إمبراطورًا، وكانت هناك مَناخات للجمال الكثيرة العدد.
الخيول والفرسان تزين احتفالات الفاطميين
كان الخليفة الفاطمى يخرج فى الأعياد بالملابس الرسمية، ويتم تزيين الخيل والفرسان والحاشية.
وذكرت الوثائق والمصادر أنه كان لكل جواد شابان يُسيِّرانه فى المواكب، ولكل ثلاث خيول سايس، وكان يشرف على كل 20 جوادًا سايس عريف، ويوجد مشرف عام للإسطبل اسمه “رائض”. وكان كل إسطبل يُلحَق به بئر وساقية ومخازن للشعير، وكانت الأفراس تخدمها النساء الخاصة بالخليفة، واستمرت هذه العادة فى العصر المملوكي.
الأيوبيون.. اهتمام بالخيل يقلُّ بنهاية دولتهم
حكمت الدولة الأيوبية مصر لمدة 79 عامًا من 1171 إلى 1250 ميلادية، واهتمت فى بداية عهدها بالخيول وإنشاء الإسطبلات الخاصة بها، ولكن فى نهاية عهد الصالح نجم الدين أيوب خفَّت العناية بالخيول.
ورغم عدم وجود معلومات كافية عن الخيول، إلا أننا نستنتج أن الدولة الأيوبية اهتمت بنظام الأمير خور المُتَّبَع عند الفاطميين فى إدارة الإسطبل. وهذا واضح من استمرار هذا النظام فى عهد المماليك.
كما أن قلعة صلاح الدين كان بها العديد من إسطبلات الأمراء. وهذا دليل على أن النظام كان معمولاً به منذ عهد الأيوبيين.
يتحدث الكاتب محمد فريد أبو حديد عن صلاح الدين الأيوبى فى كتابه “صلاح الدين الأيوبى وعصره”، حيث وصفه بأنه مؤسس دولة مصرية عظيمة لا شبهة فى مصريتها. فالدول التى سبقتها لم تكن مصرية بحتة؛ وذلك لأن دولة الطولونيين والإخشيديين لم تكن بالمعنى الصحيح، بل كانت أولية، ولم تكن الدولة الفاطمية بمصر وطنية بالمعنى التام.
ومن المعروف أن الدولة الأيوبية دخلت العديد من المعارك والحروب، وأحرزَ الشرق على يد صلاح الدين النصر على الغرب فى ذلك النضال الهائل الذى اهتز له العالم، وهو النضال المعروف بالحروب الصليبية. ومن المعروف أن المعارك تحتاج إلى الخيول الجيدة القوية.