هل الخيل سلعة للتجارة ؟

المنهدس ياسر غانم يكتب … هل الخيل سلعة للتجارة؟؟؟
كتبت من قبل:- الخيل بالنسبة لنا هوية وحضارة ووصايا أنبياء …
هذه ليست خطابة ومزايدة على أحد … لكن الخيل العربية هي حقا موروث ثقافي وحضاري وديني ذو طبيعة خاصة …
الخيل العربية محملة منذ قرون طويلة بالمضامين الثقافية والدينية وصارت رمزا من رموز الحضارة العربية والإسلامية ذو خصوصية لا تحتمل التسليع … لها مكان بارز في النص الديني ونصيب وافر في التراث الأدبي وزخم معرفي توارث معها عبر الأجيال يتعدى وظائفها المادية كأداة للزينة أو الغزو أو الترحال …
هذه القيم الثقافية والدينية هي الغلاف المتين الذي حفظ هذا التكوين الفريد عبر العصور وحفظ له نقاءا جينيا فريدا أيضا يعترف به العلم اليوم لم يتوفر لأي سلالة مستأنسة أخرى في مملكة الحيوان عبر التاريخ البشري … هذا أمر يجب أن يدركه كل متعامل مع الحصان العربي خاصة العرب أنفسهم …
معرفة الحصان العربي لا تنفصل عن معرفة القيم الثقافية والدينية المصاحبة … الباحثون المتعمقون يعلمون أن تاربخ الحصان العربي هو تاريخ البشر الذين اقتنوه وتاريخ معتقداتهم وثقافتهم … وهي قصة ملحمية متوالية الفصول …
تسليع الحصان العربي وعولمته تمت على يد غرباء أرادوا سلخه عن الإطار الديني والثقافي … في ظل تراجع حضاري كبير من جانبنا … والوعي بالقيمة الثقافية والدينية بل وإضفاء نوع من القدسية على الحصان العربي كان حاضرا دائما عند العرب والمسلمين منذ القدم وحتى العصر الحديث .
من زمن عمر بن الخطاب الذي جعل للخيل العتاق ضعف ما للخيل الهجينة من أسهم الفتح كما أورد الشافعي في كتاب الأم …وصولا للعصر الحديث حيث كان عباس باشا الأول مؤسس الخط المصري وصاحب أكبر مرابط الخيل في عصرنا وجامع أكبر موسوعة في أنساب الخيل كان يحظر على الأجانب دخول اسطبلاته ورؤية الخيل العربية فضلا عن أن يقتنوا شيئا منها …
إلى الدولة العلية في نفس التوقيت في منتصف القرن التاسع عشر حين شرعت في حصر أرسان الخيل العربية النقية وكلفت قاضيا شرعيا من أهل حلب بجمعها وتوثيقها حتى تحظر تصديرها بعد أن كثرت البعثات الأوروبية لاستيراد الحصان العربي .
الخيل العربية في مرابط البدو وشيوخ القبائل أو اسطبلات الملوك من زمن الخلفاء الأمويين والعباسيين مرورا بالسلاطين المماليك أو العثمانيين لم تكن أبدا سلعة وإن جرى على بعض آحادها البيع والشراء … وكانت الأثمان دائما باهظة لعتاق الخيل بما لا يعكس أي قيمة مادية أو سوقية وإنما قيمة ثقافية نفيسة يدفعها الملوك والأمراء راضين تطييبا لخاطر أصحابها … وما أكثر ما وضعت في الخيل أوزانها ذهبا فأبى أصحابها البيع .
تعامل العربي مع الخيل كان أبعد ما يكون عن تسليعها … من أول تخلصه من الانتاج مشكوك النسب وصولا لتحريم ما يحرم بين البشر من زواج المحارم … وهي أمور تتجلى معها الخصوصية الدينية والثقافية التي لا تسري على قطعان الإبل أو الغنم وباقي الأنعام …
الخيل العربية تعرضت لعدوان وتفريط كبيرين … عدوان من الغرباء وتفريط من أهلها المتغربين … وهي الآن في أزمة مثل أزمات الهوية واللغة والحضارة الكثيرة التي نعيشها … وضياع الخيل كان دائما مصاحبا لضياع الهوية … وكما كتبت ونشرت في دوريات حول العالم: كانت أول موجة تهديد للحصان العربي تلك المصاحبة لضياع الفصحى بين العرب تبعتها صحوة نشأ عنها مفهوم الأرسان منذ ثمانية قرون … واليوم تحاصرنا موجة أخرى عاتية تكاد تذهب بما بقي من خيل العرب بعد أن اختُرقت كل مكامنه وبيئاته وتبددت ثقافة أهله …
فهل نشهد صحوة جديدة تنقذ ما بقي من عتق العراب وأصالة الجياد وأوصافها التليدة ظاهرة وباطنة التي عمرت بيننا أحقابا منذ آلاف السنين؟؟؟
الصورة للفرس صبيحة من خيل الأمير سعود بن عبدالله بن جلوي صدرت لأمريكا سنة ١٩٥٠ … وتظهر نمط التركيب القوي الرياضي للفرسات العربية في بيئتها البدوية.
خاص موقع الخيل