شهد عهد الخديوى إسماعيل اهتمامًا كبيرًا بالخيول، حيث تحولت الإسطبلات الخديوية إلى معرض للجياد الأصيلة والعربات الفخمة فى عهده.
أنشأ الخديوى إسماعيل مصلحة الركائب الملكية، وما تَبقَّى منها الآن جزء بسيط تَحوَّلَ إلى متحف المركبات الملكية ببولاق. ومقر إسطبلات الخديوى إسماعيل المخصص للمركبات هو مكان مقر وزارة الخارجية الحالى.
اهتم الخديوى باستخدام أفضل الجياد وأفخر أنواع العربات خلال بعض المراسم الرسمية الخاصة وتحركاته؛ ليعكس عظمته.

يذكر كتاب “أنساب الخيل العام” الإيطالي أن الخديوي إسماعيل أعاد استيراد مائة واثنين وأربعين فحلًا وفرسًا ومهرًا إلى مصر بعد تسع سنوات، من خيول عباس باشا، لكنه أضعفَها عندما بدأ في تهجينها مع حصان جر عربات تم استيراده من إنجلترا.
كانت مصر تتسابق مع دول العالم فى امتلاك أفضل الجياد، وأفخر العربات من جميع الأشكال والأحجام، وتتفنَّن فى تزيين تلك العربات بالأطقم الفاخرة، كما كان هناك اهتمام بملابس الفرسان الذين يقومون على خدمة مراكبهم الرسمية.
وخاضت مصر هذا المضمار كغيرها من الدول، وخاصة فى عهد الخديوى إسماعيل، حيث كانت الإسطبلات الخديوية معرضًا عظيمًا للجياد الأصيلة والعربات الفخمة والملابس الفاخرة من مختلف الألوان والأشكال.
وكانت هذه الإسطبلات تشغل عدة أماكن، منها ما هو خاص بركائب الخديوى فى الحفلات الرسمية.
وزاد عليها من الأنواع الحديثة ما لم يكن موجودًا من قبل، حتى صارت المركبات الملكية فى مصر تضارع مثيلاتها فى أكبر الدول، وقد استُحضِرَت لذلك الجياد الكريمة والملابس المختلفة الأشكال، كما حُفِظَ بعض السروج والملابس والأدوات القديمة التى كانت تُستعمَل فى عهد الخديوى إسماعيل والعهود التى تليه؛ ما جعل إدارة الإسطبلات متحفًا عظيمًا كما شهد بذلك كبار الزوار الأجانب.
فهناك عربات التشريفة الكبرى، وهى مخصصة للملك وحاشيته فى الحفلات الرسمية الكبرى عند افتتاح البرلمان، وبعضها مخصص للوزراء المفوضين عند تقديم أوراق اعتمادهم، وبعضها استُعْمِلَ فى حفلات الزفاف فى العهود السابقة، كما توجد عربات أخرى فاخرة لركوب الملوك الأجانب عند زيارتهم الرسمية لمصر، وعربات الملكة وحاشيتها، وعربات للركوب العادى والتنزه فى الحديقة، وأخرى عديدة لتعليم الجياد وتمرينها يوميًّا.
ولكل نوع من تلك العربات جياد وأطقم وملابس خاصة. أما الجياد فتُستورَد من الخارج؛ لندرة وجود هذا النوع منها فى مصر، وتقوم الإدارة بتوزيعها على المركبات حسبما يناسب كلاًّ منها، حيث يحتاج ذلك إلى عناية كبيرة وجهد عظيم لا يشعر بهما الكثيرون.
ويُعجَب الإنسان بالعربات والجياد وما تحمله من الأطقم الجميلة التى تبهره بروعتها، ولا يعرف كيف أُعِدَّ كل هذا ولا كيف أصبحت هذه الجياد وديعة سهلة القياد، على الرغم مما يحيط بها أثناء سيرها فى المواكب الرسمية من المظاهر والمفاجآت والمناظر الغريبة التى لم يألفها.
تدوين الخيول وصفاتها وأمراضها في عهد الخديوي إسماعيل
اهتم الخديوى إسماعيل بتدوين الخيول وصفاتها والأمراض وطرق علاجها، وهو نفس ما فعله الملك الناصر بن قلاوون، عندما صدر في عهده كتاب “كامل الصناعتين” لابن البيطار. أما الخديوى إسماعيل فشهد عهده كتاب “مرشد البياطرة فى هيئة الخيول الظاهرة”، الذى تمت طباعته فى المطبعة العامرة بأوامر الخديوى إسماعيل.
وتعكس مقدمة الكتاب الذوق العالى ومدى الاهتمام بالخيول، وجاء فيها:
حمدًا لمن كوَّنَ الخلائق لأعلى مثال سابق، وأبدع الكائنات فى أحسن نظام، وجمَّلها بأبهج هيئة وقوام، وأودع فى الحيوان من المنافع ما يعجز عن حصره بليغ بارع، وجعل الظاهر عنوانًا على الباطن كما دلت على ذلك الأحوال والقرائن، وصلاة وسلامًا على سيدنا محمد أفضل العباد النبى الهاشمى، خير من اقتنى من الخيل الجياد، وساقها فى مرضاة الله بأبطال انتصروا عليها فى جميع المهاد، وعلى آله وصحبه الأبرار الذين عرفوا غامض الأسرار، واستدلوا على البواطن بالظواهر المعربة عمّا بُنِيَتْ عليه الضمائر وعلى خلفائها العاملين وعمالهم العادلين، لا سيما خديوى مصر وعزيزها وخلاصة نضارها صدر الصدور الجليل ولى النعم عالى الهمم إسماعيل؛ فإنه لم يزل باذلاً وسعه على الدوام فى نشر التمدن بين الأنام وتجديد المدارس بعد الاندراس، ووضع كل مبتدع على أمتن أساس، ورعاية كل من استظل بظلها الوارف من أبناء الفنون والمعارف ورفاهة رعيته الشاكرة لأياديه والاحتفال بتربية عساكره القامعة لأعاديه، وتوسيع دائرة الفلاح ومباشرة الأحكام فى المساء والصباح، حفظه مولاه ومتعه ببقاوه أهل عصره آمين (وبعد).
فلمّا كانت فوائد الخيول لا تُنكَر، وعموم نفعها أشهر من أن يُذكَر، وكان لا بأس بمعرفة نظام تركيب أعضائها وأوصالها وهيئتها الظاهرة الدالة على جمالها، والوقوف على كنه أجناسها ووصولها واختبارها وتمييز صحيحها من عليلها وكيفية شرائها وطريقة علاجها ودوائها، وكان كتاب المؤلف الفرنساوى “والون”، الماهر أحد النجباء من ضباط العساكر، مشتملاً على جميع هذه المواد المهمة ذات الفوائد الجليلة الجمة، وأحيلت ترجمته وتعريبه وتنقيحه حسب الإمكان وتهذيبه على عهده لمن له دراية فى اللغة العربية والتركية والفرنسية؛ فقد امتاز المترجم محمد أفندى لاز، فقام بذلك طبق أمر سعادة مدير عموم المدارس المصرية الأمير الخطير ناظر ديوان الداخلية الصادر لجناب الكولونيل “مرشير” ناظر المدرسة الحربية الفائز بالسبق فى مضمار الفنون العسكرية.
وقد استلم هذا المترجم المشكور كتاب هيئة الخيول الظاهرة المذكور من جناب قوماندان السوارى بولار، الذى عليه فى تعليمات الخيالة المدار، واهتم فيه حتى أتى فى الترجمة على آخره، وأبدى فى إتقانه ما لا يُحصَى من مفاخره، وقابله بعد التعريب على أصله مع الطبيب البيطرى الرئيس العارف بصعبه وسهله حكيمباشى عشماوى أفندى الموفق إلى الصواب فيما بعد.
وسماه مترجمه “مرشد البياطرة فى هيئة الخيول الظاهرة”، فجاء بحمد الله موافيًا بالمرام، شافيًا للعلل السقام، شاهدًا لأيام ولى النعم عزيز الوطن بأنها نعمت الأيام فى هذا الزمن، دامت معاليه، وأضاءت بكواكبه المنيرة لياليه.