القبطان حسام رستم
شكلت “الأنعام” وبخاصة “الخيل والإبل والبغال والحمير والفيلة”، عبر التاريخ الإنسانى ثروة أساسية قيمة، لها أهميتها فى حياة الفرد والجماعة “وفقا للقبطان حسام رستم”.
ويضيف رستم: “لعبت الأنعام دوراً بارزاً فى التجارة والنقل والمواصلات والحرث، وكانت عدة فى الحروب، مثلما اتخذت فى بعض المجتمعات مهوراً للزواج، وورد ذكر الأنعام فى القرآن الكريم فى غير موضع، ومنها: “ومن الأنعام حمولة وفرشا ، كلوا مما رزقكم الله” (الأنعام 142).
وقال تعالى: (وإن لكم فى الأنعام لعبرة ، نسقيكم مما فى بطونه من بين فرث ودم لبناً خالصاً سائغاً للشاربين) النحل 66، وقال عز وجل (الذى جعلكم الأنعام لتركبوا منها ، ومنها تأكلون) غافر 79
وتابع: “حسبها أن الله تعالى اختصها بسورة باسمها هى “سورة الأنعام”، لكن ما يدعو إلى التوقف والتأمل، كونها من المباحث المهمة فى الفقه الإسلامى، والخيل من بين هذه الأنعام كانت لها ميزة خاصة، وموقع أثير فى حياة العرب والمسلمين، إذ اعتبرت من المقتنيات التى كان يتباهى بها ويفاخر.
كما كانت وجهاً من وجوه الغنى والثروة، قال تعالى: (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث، ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب) آل عمران 14.
ومثلما كانت الخيل عند العرب والمسلمين عدة حرب بنص الآية الكريمة: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم)، كانت أيضاً محل عنايتهم لا لأسباب مادية وحسب، وإنما لدواع إنسانية أيضاً، حتى بلغ بهم الأمر، حيالها وحيال غيرها من الدواب، كما أنهم وقفوا لها أوقافاً خاصة، للعناية بها وإطعامها ومداواتها، فالرسول (صلى الله عليه وسلم) يقول فى هذا المعنى “المنفق عليها – الخيل – كالباسط يده بالصدقة.
وقد روى البخارى ومسلم فى صحيحيهما – اللفظ لمسلم – عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: “قيل يا رسول الله ، فالخيل؟ – وتمام الحديث فى منع الزكاة كما فى “الترغيب والترهيب” للحافظ المنذرى – قال: “الخيل ثلاثة، هى لرجل وزر، وهى لرجل ستر، وهى لرجل أجر، فأما الذى هى له وزر”.
“فرجل ربطها رياء وفخراً ونواء لأهل الإسلام، فهى له وزر، وأما التى هى له ستر، فرجل ربطها فى سبيل الله، ثم لم ينس حق الله فى ظهورها ولا رقابها، فهى له ستر، وأما التى هى له أجر، فرجل ربطها فى سبيل الله تعالى لأهل الإسلام فى مرج أو روضة، فما أكلت من ذلك المرج أو الروضة من شىء إلا كتب الله له عدد ما أكلت حسنات، وكتب له عدد ارواثها وأبوالها حسنات، ولا تقطع طولها فاستنت شرفاً أو شرفين إلا كتب الله له عدد آثارها وأرواثها حسنات ، ولا مر بها صاحبها على نهر فشربت منه ، ولا يريد أن يسقيها إلا كتب الله تعالى له عدد ما شربت حسنات”.
ومن اللافت أن الأنعام، كانت محل اهتمام الفقهاء المسلمين فى أحكامهم الشرعية، باعتبارها من الممتلكات، وهى من عروض التجارة، وفى شأنها مفصلة ما بين خيل وأخرى، وما بين خيل وغيرها من الدواب والمواشى، أحكام مدونة فى المحاكم الشرعية بصيغ مختلفة، وكانت أيام هذه المحاكم هى الفاصلة فى كل القضايا والشؤون الحياتية – فى دولة الخلافة الإسلامية – قبل زوالها، واللجوء بعد ذلك إلى المحاكم المدنية.
وأشار الإمام “الماوردى” فى “الأحكام السلطانية” فى الفصل عن زكاة المواشى، إلى أن الزكاة تفرض على أصحاب الإبل والبقر والغنم، وهذه تسمى ماشية، مؤكداً أن لا زكاة فى الخيل والبغال والحمير وأوجب الإمام ابو حنيفة الزكاة فى إناث الخيل السائمة ديناراً عن كل فرس، وقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): “عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق”.
وعن أبو الفضل جعفر بن على الدمشقى، فأشار فى كتابه “الإشارة إلى محاسن التجارة” إلى الأنواع الجيدة والرديئة من الخيل والبغال والحمير والإبل، وقدم نصائح لمن يود الشراء ومما قاله: “مما يعم الجميع من الصفات المحمودة الفتاء، فإن الغنى من جميعها الرباع أو القارح (وهو أن يكون الفرس فى سنتيه الثالثة أو الرابعة)
بينما فى السنة الأولى يسمى الفرس الحولى، وفى الثانية الثنى أو الجذع) خير فى الاستخدام والانتفاع ، ومما يعمها أيضاً، نقاء الظهر وصحة القوائم وجودة الأنف، واستيفاء العلف ، وكبر العنق ، وسعة الصدر ، وعرض الأوراك ، وقصر الظهر ، وما شاكل ذلك.
وفى مداخلة إيضاحية نذكر بما أورده الغويرى فى “نهاية الأرب فى فنون الأدب” – الجزء العاشر- حول ترتيب الخيل فى السن “فالعرب تقول: سن الفرس إذا وضعته أمه فهو مهر ، ثم فلو، فإذا استكمل سنة فهو حولى، ثم هو فى الثانية جذع ، ثم فى الثالثة ثنى، ثم فى الرابعة رباع، ثم فى الخامسة قارح، ثم هو إلى نهاية عمره مذك”.
وأضاف أبو الفضل، ناصحاً، وواصفاً الفرس: “وإذا أردت استعراض الفرس، فمر غيرك أن يركبه ويسيره، وأنت تراه مقبلاً ومدبراً، وإذا رايته واسع الفروج من غير فحج فجيد، فإن الفحج عيب قبيح ، كما أن الصكك عيب”.
وفى مشية الفرس يقول أبو جعفر “بتصرف فى شرح المفردات”: “فإن وجدته يضع حوافر رجليه موضع حوافر يديه، وأزيد قليلاً فهو جيد، والزيادة الفاحشة، والنقصان الفاحش عيب واضح، والطرقة الجيدة – أن تأتى حوافر الأرجل على أثر الأيدى – سبق ثان، والقطف – المشية البطيئة – عيب فاضح.
ويضيف: “أما الهملجة – السير الحسن فى سرعة – فى الخيول العربية عيب ، وإذا رأيت الفرس فى جريه يستعين بمد رقبته وينكس رأسه، دل على أن نفسه جيد، وبنية أعضائه ليست مطبوعة مؤاتية على السرعة، وإذا رأيته يجرى كالمتشوف فهى صفة محمودة ، وتبين جودة الفرس فى شدة تقريبه كتقريب الذئب، بأربعيته وهو يتشوف ويلتفت – التقريب العدو دون إسراع – فذلك من الصفات الجيدة ، وتأمل أخذ الفرس فى شدة جريه فإن كان أخذه أخذاً واسعاً مع انكماش، فذاك السابق الفائق، والفرس الدنىء بالضد من ذلك، فهو ما أخذه واسع مع إبطاء، أو ضيق مع انكماش”.
ومن النصائح والملاحظات الأخرى على الفرس: “أنه يتأمل الفرس فى وقوفه، وبخاصة عند الراحة من التعب، فإن وقف على أربعة لم يسترح وتسميه العرب “الصائم” فهو جيد، وإن استراح بإحدى رجليه، بأن يقيم سنبكه فهو جيد أيضاً وتسميه العرب فى تلك الحال “الصافن” فإن استراح بيده يمدها فهو ردىء، ويدل على عيب فى الصدر.
ويستكمل: “أنه من هذا النص تتضح المواصفات الجيدة والرديئة فى الحصان المنوى بيعه أو شراؤه غير أن البيع والشراء فى حد ذاتهما، لهما شروطهما، فلا ينبغى – لأحد – بيع الحصان أو أية دابة – حتى يعرف الدلال البائع، أو يأتى بمن يعرفه، ويكتب اسمه فى دفتره، لئلا تكون الدابة معيبة أو مسروقة.