نظرًا لكثرة انتصارات إبراهيم باشا فى المعارك التى قادها فى عهد والده محمد علي الكبير، يمكن أن نطلق عليه “القائد المنتصر” الذى لم تشغله انتصاراته، على أهميتها الكبرى، عن حب الخيل ورعايتها وتربيتها، والحرص على اقتناء الأصيل منها.
إنه إبراهيم باشا الذى يُعَدُّ من أحسن قادة الجيوش فى القرن التاسع عشر، وحارب في العديد من الدول.
كانت البداية عندما عيَّنه والده محمد على باشا قائدًا للحملة المصرية في الجزيرة العربية التى جرت بين 1816م و1819م، فحقق ما طُلِبَ منه بنجاح، فنال إبراهيم باشا من السلطان مكافأة سخية، ونال أبوه محمد على باشا لقب “خان”، وهو اللقب الذى لم يحظَ به سواه.
كانَ عَضُدَ أبيه القوى وساعِدَه الأشدَّ فى جميع مشروعاته، وكان باسلاً مِقدامًا فى الحرب، لا يتهيب الموت، وقائدًا محنكًا لا تفوته صغيرة ولا كبيرة من فنون الحرب، وقام بإنشاء التكية المصرية سنة 1816م.
تلقى إبراهيم التربية التى كانت تُعطَى فى زمنه للأمراء من أبناء المشرق. فهو مُلِمٌّ باللغات التركية والفارسية والعربية، يتكلم ويقرأ ويكتب بها من غير عناء، مع إحاطته بتاريخ أمم المشرق واطلاعه عليه الاطلاع التام.
على خطى أبيه..
ورث إبراهيم باشا من أبيه عشق الخيل العربية الأصيلة، فحرص على اقتناء أنفسها، وسجل المؤرخ إبراهيم جون فى عام 1815م أن إبراهيم باشا حصل على 200 جواد من أفضل الخيول البدوية التى قيل إنها لا مثيل لها فى شبه الجزيرة العربية، وأصبح بعضها فيما بعدُ مِلْكًا لعباس باشا.
كان إبراهيم باشا مُغرَمًا بالعرق العربي، ووجد الفكر العربى أكثر مرونة من الأتراك، وتمتع بالاختلاط والتحدث مع القوات العربية، وأشاد دائمًا بالعرق الذى نشأ منه، وعندما سُئِل، قال إنه جاء إلى مصر عندما كان طفلاً، وإن الشمس غيَّرَت دمه، وجعلته عربيًّا. وانضم إلى إسطبلات إبراهيم باشا النيوركى طبيب أسنان الخيل العربي.
كلوت بك يصف إبراهيم باشا
وصف كلوت بك إبراهيم باشا فى كتابه “لمحة عامة عن مصر” بقوله: إبراهيم باشا هو رَبْعُ القامة، طول قامته خمسة أقدام وبوصتان، متين البنية، جيد الفصوص، شيَّبَتْه قبل الأوان متاعب الحروب ومشاقها، بعد أن كان شعر رأسه ولحيته أشقر جمريًّا، مستطيل الوجه طويل الأنف مستدق، أزرق العينين.
مزاجه دموی صفراوی، ومن ثم جاء ميله إلى الجد بالرغم من تفرغه فى بعض الأحيان إلى شيء من المطايبة وحب الضحك، جهورى الصوت، لم تتوافر فيه لهذا السبب ما تَوافَرَ فى والده من السماحة والهشاشة، حتى إنه إذا أقبل عليه أحد شعر بما يُسقِطُه فى نفسه، ولو لم يلقَ فى استقباله شيئًا من الجفوة والصلابة والمكروه.
القائد إبراهيم يجمع أجود الخيول
عُيِّنَ إبراهيم باشا عام 1848 نائبًا عن أبيه محمد علي باشا في حكم مصر، وكان أبوه فى ذلك الوقت لا يزال حيًّا، ولكن ضعفت قواه العقلية، إلا أنه تُوفِّىَ قبل والده فى نوفمبر من العام نفسه، وكان أيضًا نائبًا عن أبيه وتابعًا لسياسته فى حب الخيل والإنفاق عليها بسخاء شديد.
ويذكر المستشرق الإنجليزى “سادلير” أنه التقى إبراهيم باشا عند “أبيار على” بالقرب من المدينة المنورة متجهًا إلى السويس ومعه أكثر من 300 فرس من أجود وأقوى وأفضل الخيل الأصيلة.
وكان إبراهيم باشا يحصل على الخيل هدايا من رؤساء القبائل تقرُّبًا إليه، أو يقوم بشرائها بأثمان مغرية.
إسطبلات إبراهيم باشا
يقول الطبيب البيطري هامونت إن الطريقة المتبعة فى إسطبلات محمد على باشا كانت نفس الطريقة المتبعة فى إسطبلات ابنه إبراهيم، وكان إسطبل القائد إبراهيم على ضفاف النيل قريبًا جدًّا من القاهرة بمنطقة جاردن سيتى الحالية، حيث بنى القائد إبراهيم القصر العالي، وشهد هذا القصر عقد أولى جلسات مجلس الشورى بقيادته (أو مجلس المشورة كما كان يُسمَّى سنة 1829)، ثم ورث الخديوى إسماعيل القصر عن أبيه، وتنازل عنه لوالدته، وعُرِفَ بقصر “الوالدة باشا”.
خيول نجد المؤسسة لإسطبل إبراهيم باشا
وأوضح الطبيب الفرنسي هامونت أن القائد إبراهيم باشا اختار الأفراس والفحول الموجودة فى الإسطبل من نجد بنفسه من شبه الجزيرة العربية عندما كانت تحت قيادته.
وأضاف أنه يوجد فى الإسطبل ما يقرب من 400 فرس، وهناك بعض الأفراس والخيول المصرية، والمكان الذى يقع فيه إسطبل إبراهيم باشا مناسب لتربية الخيول رغم حالة الرطوبة الشديدة، ولكن الأمراض أقل بكثير من إسطبل شبرا، ومستوى الخيول أعلى بكثير من إسطبل شبرا.
وأشار “هامونت” إلى أن الأرجل الأربع للأمهار تُقيَّدُ بالحبال فور بلوغها، وكان نمو الأمهار ضعيفًا، وشوَّهت الأغلال أرجلها.
ذكر الطبيب البيطري هامونت أن إبراهيم باشا بعد أن شاهد النتائج المميزة للإسطبل الجديد الخاص بوالده، طلب منه الذهاب إلى الإسطبل، وإعداد تقرير عن الإصلاحات المطلوبة، وسمح له بالتحرك بكل حرية، كما طلب منه أن يساعد السيد بولوفورت مدير إسطبله الخاص.
بدأ هامونت فى تأسيس إسطبل إبراهيم باشا الجديد، كما فعل لمحمد على باشا، واتهم هامونت الأتراك بأن الشعير المصحون تَسبَّبَ فى الجرب وعسر الهضم، واختلف هامونت مع عادات الأتراك الأولية المتبعة فى الإسطبل، والتى لا يمكن للمرء أن يتحملها؛ ليؤكدوا أن الفرس يجب أن تتزاوج فقط فى وقت معين من القمر المكتمل، أو عندما يكون الجسم على ارتفاع محدد.
وكان إبراهيم باشا يعقد مزادًا لبيع الأمهار الغالية من عمر 3 سنوات، ويعرض أفضل الخيول.
إبراهيم باشا قاهر اليونان والعثمانيين
كانت اليونان، وجزء من أوروبا الشرقية، تابعة للدولة العثمانية منذ القرن الـ15 الميلادي، وعندما قامت الثورة على الدولة العثمانية، عجز السلطان عن إخمادها؛ ولذلك طلب من محمد على باشا – أقوى الولاة فى إطار الدولة العثمانية – القضاء على تلك الثورة.
فبعث محمد على ابنه الأكبر إبراهيم باشا، الذى نجح فى القضاء على الثورة، وأنهى التمرد، واكتسب الجيش المصرى خلال تلك الحرب خبرات ميدانية، وضم محمد على جزيرة كريت (مكافأة من السلطان).
هزيمة العثمانيين في حرب الشام
تُعَدُّ الحرب المصرية العثمانية (1831 – 1833) أو ما تُعرَف بحروب الشام الأولى بمثابة الجزء الأول من الصراع العسكرى بين مصر والدولة العثمانية.
فأثناء حكم محمد على باشا بدأ بمطالبة السلطان العثمانى بأن يمنحه ولاية الشام مقابل مساعدته له فى حرب الاستقلال اليونانية، فاكتفى السلطان بمنحه ولاية جزيرة كريت، وهو ما لم يَرْضَ به محمد على، وكان السبب الرئيسى فى اشتعال الحرب بينهما، وانتهت بانتصار إبراهيم باشا ووصول نفوذ دولة محمد على إلى أعالى نهر الفرات.
سحق العثمانيين في معركة نزيب
فى عام 1839م قام السلطان العثمانى بتحريك جيش؛ لمحاولة استرداد أراضى الشام التى نجح إبراهيم باشا فى فتحها خلال الحرب المصرية – العثمانية الأولى، وكان نتيجة ذلك التحرك أن جهز إبراهيم باشا جيشه، وزحف مرة أخرى إلى الأناضول، إلى أن دارت معركة نزيب، والتى استطاع فيها إبراهيم باشا بعبقريته العسكرية أن يسحق الجيش العثماني، وهنا أصبحت الإمبراطورية العثمانية على وشك الانهيار.
وهرعت بريطانيا والنمسا ودول أوروبية أخرى للتدخل وإجبار مصر على قبول معاهدة لندن.
ونجحت بريطانيا فى إشعال ثورات أهالى الشام ضد الحكم المصرى، حتى استعادت الإمبراطورية العثمانية سوريا، وقام حافظ باشا، يرافقه مولتك، بتسيير الجيش إلى سوريا.