أجاز الإسلام المراهنة على الخيل من غير محلل، كما هو مقتضى الأخبار السابقة، وما ذكره القاضى من الوجوه الثلاثة، فقد ذكر الشافعى وغيره من العلماء ما يأتى:
قال الشافعى – رضى الله عنه – فيما رواه المزنى فى مختصره: والأسباق ثلاثة: سبق يعطيه الوالى أو غير الوالى من ماله، وذلك أن يسبق بين الخيل إلى غاية، فيجعل للسابق شيئًا معلومًا، وإن شاء جعل للمصلى والثالث والرابع، فهذا حلال جعل لمن ليست له فيه علة.
والثانى يجمع وجهين، وذلك مثل الرجلين يريدان أن يستبقا بقوسيهما، فلا يجوز إلا بمحلل، وهو أن يجعله بينهما، ولا يجوز حتى يكون فرسًا كُفؤًا للفرسين لا يأمنان أن يسبقهما، ويُخرِج كل واحد منهما ما تَراضَيا عليه، ويتواضعانه على يد رجل يثقان به أو يضمنانه، ويجرى بينهما المحلل، فإن سبقهما كان السبقان له، وإن سبق أحدهما المحلل أحرز السابق ماله، وأخذ سبق صاحبه، وإن أتيا مستويين لم يسبق أحدهما صاحبه وسواء لو كانا مائة، وأدخلا بينهما محللاً فكذلك.
والثالث أن يسبق أحدهما صاحبه، فإن سبقه صاحبه، أخذ السبق، وإن سبق صاحبه أحرز سبقه.
ومن الوجوه المختلف فيها أن يكون الوالى أو غيره ممن أخرج السبق له فرس فى الحلبة، فيخرج سبقًا على أنه سبق هو حبس سبقه. وإن سبق أخذه السابق، فأكثر العلماء يجيزون هذا الشرط، وهو أحد أقوال مالك وبعض أصحابه.
وهو قول الشافعى والليث والثورى وأبى حنيفة، حيث قالوا: الأسباق على ملك أربابها، وهم فيها على شروطهم. وأبَى مالك ذلك فى الرواية الأخرى وبعض أصحابه وربيعة والأوزاعي، وقال لا يرجع إليه سبقه. قال مالك: وإنما يأكله من حضر، إن سبق يخرجه إن لم يكن مع المتسابقين ثالث، فإن كان معهما ثالث فللذى يلى فخرجه إن سبق، فإن سبق غيره فهو له بغير خلاف. فخرج هذا عندهم عن معنى القمار جملة، ولحق بالأول؛ لأن صاحبه قد أخرجه عن ملكه جملة، وتفضل بدفعه.
وفى الوجوه الأُخَر معنى من القمار والخطر؛ لأنها مرة ترجع إلى مخرج أحدهما، ومرة تخرج عنه إلى غيره. انتهى كلام القاضى.
فنزل فى صون المحلل ما إذا جاء المحلل مع أحدهما ثم جاء الآخر، فالحكم عند الشافعية أن الذى جامع المحلل أحرز ماله، وأما الذى للآخر فهو للمحلل أو له وللذى جامعه، وهما وجهان أظهرُهما الثانى. ولو سبق أحدهما ثم جاء المحلل الثانى، فحال الثانى للمحلل على أظهر الوجهين، كذا وقع فى المحرز، وهو وهم ومشكل بالأول؛ لأنه إذا شاركه مع مجيئه معه بالمتأخر فَلَأنْ يشاركه إذا سبقه أَوْلَى، بل قضية النقة أن ينفرد به السابق المطلق الذى جاء قبل المحلل، وهو الذى صححه فى الشرح والروضة، وكذا صححه فى المنهاج.
ولعل الذى وقع فى الفسحة التى وقفت عليها غير معتمد، وقال فى الشرح عن الذى صححه فى المحرر إنه ضعيف، وقال فى الروضة إنه ليس بشىء. وهذه الأوجه الثلاثة مفرعة عن المذهب الصحيح المنصوص على أنه لا يجوز أن يشترط المحلل المخرج من الجانبين لمن يسبق عن المحلل خلافًا لابن خيران، ومنهم من حكاه قولاً. وها هنا أصل آخر، وهو أننا إذا أطلقنا شرط المال للسابق كاللفظ السابق المطلق، أو تناول من سبق غيره، وإن كان مسبوقًا لغيره، ففيه وجهان: الأصح الأول، فتعين أن يكون باقى المتأخر لأنه السابق للأخير.
وإذا تسابق ثلاثة فصاعدًا فعند الشافعية لا يجوز أن يُشترَطَ للثانى مثل ما شُرِطَ للأول، ويجوز أن يُشترَط له دونه فى أصح الوجهين، فإن قلتَ فحديث الإغداق الذى تقدم يخالف ما ذكر، ثم الجواب إن صح فهو محمول عليها على أنها كانت متفاوتة لا أنها كانت من خلاف، فيكون الأول أعلاها، ويشهد له حديث الحلل فإنه أعطى للأول ثلاث حلل والثانى حلتين والثالث حلة، إلى آخر ما سبق.
ومن شروط وضع الرهان فى المسابقة أن تكون الخيل متقاربة الحال فى سبق بعضها بعضًا، فمتى تَحقَّقَ حال أحدها فى السبق، كان الرهان فى ذلك قمارًا لا يجوز، ويكون إدخال المحلل لغوًا لا معنى له؛ ولذلك إن كانت مما يقطع غالبًا سبق جنسها كالمضمرة مع غير المضمرة والعراب مع غيرها، فلا يجوز المراهنة فى مثل هذا، وقد بيَّنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ضمر من السباق منفردًا عما لم يضمر.