يعد كتاب “تربية الخيول في مصر”، الصادر عن الجمعية الزراعية الملكية عام 1942 أحد أهم الكتب التى دونت أصول تربية الخيول بمصر.
“تربية الخيول في مصر” للدكتور عبدالعليم عشوب يعتبر أحد أهم المراجع التي يعود إليها المربين حول العالم، وكان الأمير عمر طوسون قد استعان بعشوب لتسجيل نشأة تربية الخيول في عهد أسرة محمد علي.

“قومسيون الخيل”
يوضح الكتاب كيف أنشئت الحكومة المصرية قومسيون الخيل عام 1892 نظرا لحاجتها المستمرة لعدد من الخيول الجيدة، لركوب رجال الجيش والشرطة، وكان هناك عدد كبير من الفرسات الجيدة متوفرة بالقطر المصري.
وتولي الأمير عمر طوسون رئاسة لجنة قومسيون الخيل التي أوكل إليها النظر في أمر التربية واتخاذ الوسائل التي تؤدي إلي تحسينها، بينما وجد القومسيون صعوبة في ايجاد أصايل عربية مناسبة نظرا لمنع الحكومة العثمانية إخراج خيول من الشام إلي القطر المصري منذ عام 1845.
ليأتى قرار القومسيون بأن يستعمل في الطلوقة خيولا إنجليزية تكون صغيرة الحجم قريبة الشبة من الخيول العربية كوسيلة لزيادة القوة، وخصصت الحكومة ألف جنية مصري سنويا وصرحت بالوثب من خيولها بدون مقابل واعطيت لأصحاب الخيول بطاقات مبين بها أوصافها، وأقامت معارض للأفراس في المديريات المختلفة ومنحت فيها جوائز نفيسة.
الجمعية الزراعية الملكية
وفى العام 1908، أنشئ قسم تربية الحيوانات بالجمعية الزراعية الملكية وتم وقتها أن تسند أعمال القومسيون إلى الأمير عمر بالإضافة إلي عملة، وقد رأي القائمين علي لجنة التربية استخدام الطريقة لأن حظر دخول خيل للقطر المصري كان مازال قائما.
وكان القومسيون يترك الطلائق في المراكز طوال العام، لكن لجنة التربية بالجمعية الملكية قررت أن تعود خيول الطلوقة كل عام من شهر مايو إلي سبتمبر إلي اسطبلات بهتيم لمنع النزو حتي لا يأتي الإنتاج ضعيف في الصيف.
ولم تتمشي تجربة استخدام الطلائق الإنجليزية مع الذوق المصري، ولم تأتي بالنتائج المرغوبة لأن الإنتاج أخذ عن أمه صغر قدها وعن أبيه شرسته وكثرت الشكاوي من خيول “النصف والنصف” المستخدمة في البوليس نظرا لشراستها.
وفى العام 1914، تقرر استبدال خيول الطلوقة بخيول عربية أصيلة خاصة وأن الحظر المفروض علي مصر تم إلغائة ولكن وجدت صعوبة في الحصول علي خيول عربية في الشرق تصلح لهذا الغرض نظرا لاختلاط دماء الخيل هناك بدماء أجنبية نتيجة غزوات الجيوش المختلفة.
جمع شتات الخيل بالقطر المصرى
قررت لجنة التربية جمع شتات الخيول العربية الموجودة بالقطر المصري لدي الخديوي عباس باشا حلمي الثاني والأمير محمد علي توفيق واللادي انت بلانت، حيث كان لديها مجموعة مميزة من خيول علي باشا شريف.
وفي عام 1919 استطاعت الجمعية الزراعية الملكية أن تشترى مهرتين وثمانية عشر ذكر لاستخدمها في الطلوقة من خيول “اللادي” و”نتورث” ابنتها من إنجلترا، وذلك لإعادة أمجاد خيول الأجداد مرة أخري إلي مصر والاستفادة منها في برنامج التربية الخاص بالجمعية الزراعية الملكية باسطبلات بهتم ومركز الطلوقة بالمحافظات.
اسطبلات كفر فاروق
في عام 1928 رأت الجمعية الملكية أن اسطبلات بهتيم لم تعد تتسع لتربية وإيواء الخيول وأن أرض بهتيم ليست المكان الذي يتناسب مع طبيعة الحصان، لتقرر تبني اسطبلات جديدة اختارت الجمعية مكانها على مساحة 55 فدانًا في بقعة صحراوية تقع على بعد 20 كيلومترًا من قلب القاهرة وأنشأت إسطبلات أكثر اتساعًا وعلى أحدث الطرز وترك حولها فضاء فسيح لترويض النتاج والتى سميت بـ”إسطبلات كفر فاروق”، ومع المزرعة الجديدة وصلت الجمعية الزراعية الملكية إلى ما كانت ترمى إليه من إنشاء هذا القسم وهو الاستمرار في الإبقاء والحفاظ على الخيول العربية الأصيلة التي اشتهرت بها مصر.
ومع النجاح الباهر الذي حققة قسم تربية الخيول بالجمعية الزراعية الملكية وزيادة النتاج قررت الجمعية أن تحتفظ بعدد معين من الأفراس والنتاج وبيع الباقي سنويا للغواة والمربين.
وانشئت الجمعية الملكية سجلات خاصة بالمواليد وكانت تقوم بتسجيل أوصاف المواليد نظرا لتغير الشعر بعد الستة أشهر الأولي وتسجل له ولأمة صورا فوتوغرافية تحفظها في ملف خاص للنتاج تثبت فيه تاريخ حياتة بعد ذلك.
واهتمت الجمعية بتدريب النتاج منذ الفطام، كما كانت ترسل النتاج إلي السباق لاختبار قوتة واحتمالة وخوفا من التناسل الحوبي رأت الجمعية ان يحتفظ النتاج بقوتة وأن لا يتسرب إليه الوهن والضعف وعدم الاحتمال من جراء ما يسمي بالتناسل الحوبي “تناسل الأقارب الأقربين”، فاختارت مع الحذر الشديد بعض الخيول بدقه وهما “الدرع، مشعان، نبراس، ظريف، رجستان، غندور”.
ولم تقتصر الجمعية علي هذه الخيول بل أرسلت تستحضر خيول من بلاد الشام والجزيرة العربية، لذا أوفدت الدكتور أحمد مبروك رئيس قسم التربية السابق لدراسة طرق التربية في بلاد الحجاز ونجد والعراق والشام ولشراء بعض الخيول منها حال وجد ما يصلح منها لتجديد الدم تفاديا من التناسل الحوبي، لكن مبروك لم يجد سوي حصان واحد من بيروت بسبب اضمحلال الحصان العربي وعدم وجود سجلات انساب في أي جهة من هذه الجهات.
كما أن الأمير فيصل رفض أن يعطي شهادة تثبت نقاء الخيل التي اختارها الدكتور مبروك لأنه لا يثق بالخيل التي ربيت في نجد ويعرفها معرفة شخصية، بينما رأي مبروك أن الخيول العربية النجدية الأصيلة لا تستحق أن تنقل إلي مصر لعيوب وراثية في تركيبها أو لوجود علامات غير مرغوب فيها طبقا للذوق المصري في التربية.
أما بالنسبة للعراق والشام، فقد وجد أن حب المربي للخيول الجميلة اندثر وأصبح الاهتمام بتربية خيول السباق، لذلك قررت الجمعية الملكية أن تمد يد العون وتساهم في تحسين نتاج الخيول العربية في البلاد الشرقية، فأهدت 3 خيول أصيلة إلي صاحب الجلالة الملك عبدالعزيز بن سعود “الحصان ابن منصور”، “كحيلان رودان” وصاحب الجلالة ملك العراق الحصان “الفجر” وهو “دهمان شهوان” وصاحب السمو الأمير عبدالله أمير شرق الأردن فاهدى الحصان “دهمان” وهو “صقلاوي جدران” للنزو منها علي الأفراس هناك.