عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل للفرس سهمين ولصاحبه سهمًا». رواه البخاري وابن حبان في صحيحه وشعيب الأرناؤوط في “تخريج صحيح ابن حبان”.
ورواية أحمد بن حنبل:
«أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ جَعَلَ يَومَ خَيبَرَ لِلفَرَسِ سَهمَيْنِ، ولِلرَّجُلِ سَهمًا».
وفي رواية الهيثمي في “مجمع الزوائد” عن عبد الله بن عباس:
«فجعل هذينِ السهمينِ قوةً في الخيلِ والسلاحِ وجعل سهمَ اليتامَى والمساكينِ وابنِ السبيلِ لا يعطيه غيرَهم وجعل الأسهمَ الأربعةَ الباقيةَ للفرسِ سهمينِ ولراكبِه سهمٌ وللراجلِ سهمٌ».
وقال ابن حجر العسقلاني في “فتح الباري شرح صحيح البخاري”:
قوله : ( جعل للفرس سهمين ولصاحبه سهما ) أي غير سهمي الفرس فيصير للفارس ثلاثة أسهم، وسيأتي في غزوة خيبر أن نافعًا فسره كذلك ولفظه ” إذا كان مع الرجل فرس فله ثلاثة أسهم ، فإن لم يكن معه فرس فله سهم ” ولأبي داود عن أحمد عن أبي معاوية عن عبيد الله بن عمر بلفظ أسهم لرجل ولفرسه ثلاثة أسهم سهما له وسهمين لفرسه ” وبهذا التفسير يتبين أن لا وهم فيما رواه أحمد بن منصور الرمادي عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي أسامة وابن نمير كلاهما عن عبيد الله بن عمر فيما أخرجه الدارقطني بلفظ ” أسهم للفارس سهمين ” قال الدارقطني عن شيخه أبي بكر النيسابوري : وهم فيه الرمادي وشيخه . قلت : لا لأن المعنى أسهم للفارس بسبب فرسه سهمين غير سهمه المختص به ، وقد رواه ابن أبي شيبة في مصنفه ومسنده بهذا الإسناد فقال ” للفرس ” وكذلك أخرجه ابن أبي عاصم في كتاب الجهاد له عن ابن أبي شيبة ، وكأن الرمادي رواه بالمعنى . وقد أخرجه أحمد عن أبي أسامة وابن نمير معا بلفظ : أسهم للفرس ، وعلى هذا التأويل أيضا يحمل ما رواه نعيم بن حماد عن ابن المبارك عن عبيد الله مثل رواية الرمادي أخرجه الدارقطني وقد رواه علي ابن الحسن بن شقيق وهو أثبت من نعيم عن ابن المبارك بلفظ : أسهم للفرس ، وتمسك بظاهر هذه الرواية بعض من احتج لأبي حنيفة في قوله : إن للفرس سهما واحدا ولراكبه سهم آخر ، فيكون للفارس سهمان فقط ، ولا حجة فيه لما ذكرنا . واحتج له أيضا بما أخرجه أبو داود من حديث مجمع بن جارية بالجيم والتحتانية في حديث طويل في قصة خيبر قال ” فأعطى للفارس سهمين وللراجل سهما ، وفي إسناده ضعف ، ولو ثبت يحمل على ما تقدم لأنه يحتمل الأمرين ، والجمع بين الروايتين أولى ولا سيما والأسانيد الأولى أثبت ومع رواتها زيادة علم ، وأصرح من ذلك ما أخرجه أبو داود من حديث أبي عمرة ” أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى للفرس سهمين ولكل إنسان سهما فكان للفارس ثلاثة أسهم ” وللنسائي من حديث الزبير ” أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب له أربعة أسهم سهمين لفرسه وسهما له وسهما لقرابته ” قال محمد بن سحنون : انفرد أبو حنيفة بذلك دون فقهاء الأمصار ، ونقل عنه أنه قال : أكره أن أفضل بهيمة على مسلم ، وهي شبهة ضعيفة لأن السهام في الحقيقة كلها للرجل . قلت : لو لم يثبت الخبر لكانت الشبهة قوية لأن المراد المفاضلة بين الراجل والفارس فلولا الفرس ما ازداد الفارس سهمين عن الراجل ، فمن جعل للفارس سهمين فقد [ ص: 81 ] سوى بين الفرس وبين الرجل ، وقد تعقب هذا أيضا لأن الأصل عدم المساواة بين البهيمة والإنسان ، فلما خرج هذا عن الأصل بالمساواة فلتكن المفاضلة كذلك ، وقد فضل الحنفية الدابة على الإنسان في بعض الأحكام فقالوا : لو قتل كلب صيد قيمته أكثر من عشرة آلاف أداها ، فإن قتل عبدا مسلما لم يؤد فيه إلا دون عشرة آلاف درهم . والحق أن الاعتماد في ذلك على الخبر ولم ينفرد أبو حنيفة بما قال فقد جاء عن عمر وعلي وأبي موسى ، لكن الثابت عن عمر وعلي كالجمهور من حيث المعنى بأن الفرس يحتاج إلى مؤنة لخدمتها وعلفها وبأنه يحصل بها من الغنى في الحرب ما لا يخفى، واستدل به على أن المشرك إذا حضر الوقعة وقاتل مع المسلمين يسهم له ، وبه قال بعض التابعين كالشعبي ، ولا حجة فيه إذ لم يرد هنا صيغة عموم ، واستدل للجمهور بحديث ” لم تحل الغنائم لأحد قبلنا ” وسيأتي في مكانه .
وفي الحديث حض على اكتساب الخيل واتخاذها للغزو؛ لما فيها من البركة وإعلاء الكلمة وإعظام الشوكة كما قال تعالى ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم واختلف فيمن خرج إلى الغزو ومعه فرس فمات قبل حضور القتال ، فقال مالك : يستحق سهم الفرس . وقال الشافعي والباقون : لا يسهم له إلا إذا حضر القتال ، فلو مات الفرس في الحرب استحق صاحبه وإن مات صاحبه استمر استحقاقه وهو للورثة . وعن الأوزاعي فيمن وصل إلى موضع القتال فباع فرسه : يسهم له لكن يستحق البائع مما غنموا قبل العقد والمشتري مما بعده ، وما اشتبه قسم . وقال غيره : يوقف حتى يصطلحا . وعن أبي حنيفة : من دخل أرض العدو راجلا لا يقسم له إلا سهم راجل ولو اشترى فرسا وقاتل عليه . واختلف في غزاة البحر إذا كان معهم خيل فقال الأوزاعي والشافعي : يسهم له .
وتابع:
هذا الحديث يذكره الأصوليون في مسائل القياس في مسألة الإيماء، أي إذا اقترن الحكم بوصف لولا أن ذلك الوصف للتعليل لم يقع الاقتران ، فلما جاء سياق واحد أنه صلى الله عليه وسلم أعطى للفرس سهمين وللراجل سهما دل على افتراق الحكم .