“عهد سيدنا داود عليه السلام”، هكذا أرخت روايات عدد من الكتاب المهتمين بالخيول، أنساب الخيل العربي الأصيل، قائلين: إن النبى سليمان ورث عن أبيه داود عليهما السلام عددًا كبيرًا من الخيل.
وحرص العربي على أنساب الخيل حرصه على نسبه، فكما كان هناك النسَّابة الذين ينقلون شفاهة نسب كل شخص، كان هناك من يحذقون أنساب الخيل فينسبونها إلى آبائها وأمهاتها، حتى أننا نجد مؤلفات بأكملها تقتصر على ذلك مثل ما فعله ابن الكلبي في كتابه “أنساب الخيل”، والغندجاني في كتابه “أسماء خيل العرب وأنسابها وذكر فرسانها”، ولطالما افتخر أصحاب الخيول الأصيلة بأن أفراسهم من نسل زاد الراكب أو أعوج، أو لاحق أو خلافها.
ويروى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “إن أول ما انتشر في العرب من تلك الخيل أن قومًا من الأزد من أهل عمان قدموا على سليمان بن داود عليه السلام بعد تزويجه بلقيس ملكة سبأ، فسألوه عما يحتاجون إليه من أمر دينهم ودنياهم، حتى قضوا من ذلك ما أرادوا، وهموا بالانصراف؛ فقالوا: يا نبي الله! إن بلدنا شاسع وقد نفد ما عندنا من الزاد، فمُرْ لنا بزاد يبلغنا إلى بلدنا، فدفع إليهم سليمان فرسًا من خيل داود.
ويضيف، أنه قال: “هذا زادكم! فإذا نزلتم فاحملوا عليه رجلا وأعطوه (رمحًا) واحتطبوا وأوروا ناركم، فإنكم لن تجمعوا حطبكم وتوروا ناركم حتى يأتيكم بالصيد. فجعل القوم لا ينزلون منزلاً إلا حملوا على فرسهم رجلاً بيده مطرد، واحتطبوا وأوْرَوْا نارهم؛ فلا يلبثون إلا قليلاً حتى يأتيهم صاحبهم بصيد من الظباء والحُمر والبقر، فيأتيهم بما يكفيهم”.
وفضلاً عن ذلك فقد اغتبطوا به فقال الأزديون: ما لفرسنا هذا اسم إلا زاد الراكب؛ فكان ذلك أول فرس انتشر في العرب من تلك الخيل. فأصل فحول العرب من نتاجه.
ويروى ابن الكلبي في أنساب الخيل: “أن أول فرس انتشر في العرب زاد الراكب للأزد، فلما سمعت به بنو تغلب أتوهم فاستطرقوهم فنتج لهم الهجيس، فكان أجود من زاد الراكب. فلما سمعت به بكر بن وائل، أتوا بني تغلب فاستطرقوهم فنتج عن الهجيس الديناري، فكان أجود من الهجيس ومن نسله أعوج والوجيه وغراب ولاحق وسيل”.
ويأتى تحت سلالة الحصان العربي الأصيل خمس فصائل رئيسية هي: الصقلاويات، والجدرانيات، والشويمات، والكحيلات، والعبيان”، حيث استمر هذا الاعتقاد حتى نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، عندما قسَّم بعض المستشرقين المهتمين بالخيول العربية سلالاتها إلى ثلاثة أنواع كبيرة يدخل ضمنها 20 فصيلة رئيسية يتفرع عنها 240 فصيلة أخرى، لكن المهتمين بالحفاظ على الجواد العربي الأصيل يُرْجعون أصوله من جهة الأم إلى 23 فصيلة تعود في معظمها إلى أنواع ثلاثة هي: “الكحيلان والصقلاوي والمعنكي”.
“الكُحَيْلان”، وهو يتميز بكبر حجمه وضخامة عضلاته، وتبدو إناثه ذات هيئة ذكرية جميلة والكحيلان يتميز بكبر حجمه وضخامة عضلاته، وجماله ذكري الطابع حتى إناثه تبدو ذات هيئة ذكرية جميلة، وهو من أفضل الخيول العربية، واللون الغالب عليه هو البُنِّي؛ وله فروع عديدة منها: الحمداني، والهديان، والشويمان، والودنان، والعجوز، والهيفي، والجلابي، والروضان، والكروشان، كما يعد الكحيلان بشكل عام، خير الخيول العربية المخصصة للركوب.
ويأتى “الصقلاوي”، الذى يتصف بجماله الذي يتخذ الطابع الأنثوي حتى بين الذكور، وهو أصغر حجمًا من الكحيلان، ويتميز عنه برأسه الجميل وجبهته العريضة مع تقعّر واضح في المنظر الجانبي للأنف، وأهم فروعه لجهة الأم: “الصقلاوي، والجدراني، والعبيان، والدهمان، والريشان، والتويسان، والجدراني بن سودان، والشيفي”، كما يعد الصقلاوي بشكل عام أفضل الخيول العربية لأغراض الاستعراضات والاحتفالات.
بينما يعد “المعنكي” الأفضل لأغراض العدو والسباق، فتتميز بأنها فارهة الجسم، طويلة الرأس والعنق، ضخمة الحجم، ووجهها يختلف عن الخيول العربية الأخرى بكثرة زواياه ومنخريه الخشنين وعينيه الصغيرتين.
وتحافظ “المعنكي”، على أصالتها حال ظلت صافية دون اختلاط مع سلالات أخرى، وأن أي اختلاط في أي مرحلة من مراحل تطورها يؤدي إلى تدهور قيمتها وزوال أصالتها، وقد دخل إلى أوروبا الكثير من هذه السلالة وعلى رأسها الحصان العربي الشهير “عربي دارلي”، الذي يعد جد السلالة المعروفة بـ”الثوربرد”.