نعرض معنى الخيل المُسوَّمة في القرآن الكريم، والتي وردت في الآية 14 من سورة آل عمران، حيث نقدم جميع آراء المفسرين وأهل التأويل تفصيليًّا، ثم مناقشتهم لغويًّا؛ للوصول إلى المعنى الصحيح للوصف الرائع الذي مدح الله به الخيل.
قال تعالى: ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴾ (آل عمران: 14).
وجاء في تفسير الطبري للآية الكريمة: قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في معنى “المُسوَّمة” على رأيين:
الرأي الأول: المسومة هي الراعية:
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير: ” الخيل المسوّمة “، قال: الراعية، التي ترعى.
حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن حبيب، عن سعيد بن جبير، مثله.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا سفيان، عن حبيب، عن سعيد بن جبير مثله.
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير: هي الراعية، يعني: السائمة.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن طلحة القناد قال، سمعت عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى يقول: الراعية.
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: “والخيل المسومة”. قال: الراعية.
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن: “والخيل المسومة” المسرَّحة في الرّعي.
حُدِّثت عن عمار بن الحسن، قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: “والخيل المسوّمة”، قال: الخيل الراعية.
حُدِّثت عن عمار، قال ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن ليث، عن مجاهد: أنه كان يقول: الخيل الراعية.
الرأي الثاني: المسوّمة هي الحسان.
حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن، قال، حدثنا سفيان، عن حبيب قال: قال مجاهد: “المسوّمة” المطهَّمة.
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق، قال، أخبرنا الثوري، عن حبيب بن أبي ثابت، عن مجاهد في قوله: “والخيل المسومة”، قال: المطهَّمة الحسان.
حدثني محمد بن عمرو، قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: “والخيل المسوّمة”، قال: المطهمة حسْنًا.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو نعيم، قال، حدثنا سفيان، عن حبيب، عن مجاهد: المطهمة.
حدثنا ابن حميد قال: حدثنا أبو عبد الرحمن المقرئ قال، حدثنا سعيد بن أبي أيوب، عن بشير بن أبي عمرو الخولاني قال: سألت عكرمة عن “الخيل المسوّمة”، قال: تَسويمها: حُسنها.
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني سعيد بن أبي أيوب، عن بشير بن أبي عمرو الخولاني قال: سمعت عكرمة يقول: “الخيل المسوّمة”، قال: تسويمها: الحُسن.
حدثني موسى بن هارون، قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: “الخيل المسوّمة والأنعام”: الرائعة.
الرأي الثالث المسومة هي المعلمة:
حدثني علي بن داود قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: “والخيل المسوّمة”، يعني: المعلمة.
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد، قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: “والخيل المسوّمة”، وسيماها: شِيَتُها.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: “والخيل المسوّمة”، قال: شِيَة الخيل في وُجوهها.
الرأي الرابع: المسومة هي المعدة للجهاد
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد: “والخيل المسومة”، قال: المعدّة للجهاد.
الرأي الأرجح في معنى المسومة:
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بالصواب في تأويل قوله: “والخيل المسوّمة”: المعلمة بالشِّيات، الحسان، الرائعة حسنًا؛ لأن “التسويم” في كلام العرب هو الإعلام. فالخيل الحسان مُعلمةٌ بإعلام الله إياها بالحسن من ألوانها وشِياتها وهيئاتها، وهي “المطهَّمة” أيضًا. ومن ذلك قول نابغة بني ذبيان في صفة الخيل:
بِضُمْـــرٍ كَـــالقِدَاحِ مُســوَّماتٍ **** عَلَيْهَـــا مَعْشَــرٌ أَشْــبَاهُ جِــنِّ
يعني بـ “المسوّمات”، المعلمات، وقول لبيد:
وَغَــدَاةَ قَــاعِ القُــرْنَتَيْنِ أَتَيْنَهُـمْ **** زُجَــلا يُلُــوحُ خِلالَهَــا التَّسْـوِيمُ
فمعنى تأويل من تأول ذلك: “المطهمةَ، والمعلمة، والرائعة” واحد.
الرد اللغوي على من قال إن المسومة الراعية:
قال الإمام الطبري في رده على من أوَّل معنى “المسومة” بـ “الراعية، بقوله: وأما قول من تأوَّله بمعنى: الراعية، فإنه ذهب إلى قول القائل: “أسمْتُ الماشية، فأنا أُسيمها إسامة”، إذا رعيتها الكلأ والعشب، كما قال الله عز وجل: ﴿وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ﴾ (النحل: 10)، بمعنى: ترعَوْن. ومنه قول الأخطل:
مِثْـلَ ابْـنِ بَزْعَـةَ أَوْ كـآخَرَ مِثْلِـهِ **** أَوْلَـى لَـكَ ابْـنَ مُسِـيمَةِ الأجْمَـالِ
يعني بذلك: راعية الأجمال. فإذا أُريدَ أنَّ الماشية هي التي رعت، قيل: “سامت الماشية تسوم سومًا”؛ ولذلك قيل: “إبل سائمة”، بمعنى: راعية، غير أنه غير مستفيض في كلامهم: “سوَّمتُ الماشيةَ”، بمعنى أرعيتها، وإنما يقال إذا أريد ذلك: “أسمْتُها”.
فإذْ كان ذلك كذلك، فتوجيه تأويل “المسوّمة” إلى أنها ” المعلمة ” بما وصفنا من المعاني التي تقدم ذكرها أصحُّ.
وأما الذي قاله ابن زيد: من أنها المعدّة في سبيل الله، فتأويل من معنى “المسوَّمة” بمعزِلٍ.