فضل الله الخيل على بقية الحيوانات المسخرة لنا، حيث أقسم الله تعالى بها في سورة باسمها، وهي “العاديات“، بقوله: ﴿ وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا * فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا * فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا * فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا * فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا ﴾ [العاديات: 1-5].
يقول الإمام الطبري في تفسيره إن سورة “العاديات” مكية، يقسم فيها الله تعالى بالخيل إذا أُجرِيَت في سبيله، فعدت وضبحت، وهو: الصوت الذي يُسمَع من الفرس حين تعدو.
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا عبدة، عن الأعمش، عن إبراهيم عن عبد الله: “والعاديات ضبحًا”: الإبل.
وقال علي: هي الإبل. وقال ابن عباس: هي الخيل. فبلغ عليًّا قول ابن عباس، فقال: ما كانت لنا خيل يوم بدر. قال ابن عباس: إنما كان ذلك في سرية بُعِثَت.
قال ابن أبي حاتم وابن جرير: حدثنا يونس، أخبرنا ابن وهب، أخبرني أبو صخر، عن أبي معاوية البجلي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس حدثه، قال: بينا أنا في الحجر جالسا، جاءني رجل فسألني عن: (والعاديات ضبحا) فقلت له: الخيل حين تغير في سبيل الله، ثم تأوي إلى الليل، فيصنعون طعامهم، ويورون نارهم. فانفتل عني فذهب إلى علي رضي الله عنه، وهو عند سقاية زمزم، فسأله عن (والعاديات ضبحا) فقال: سألت عنها أحدًا قبلي؟ قال: نعم ، سألت ابن عباس فقال: الخيل حين تغير في سبيل الله. قال : اذهب فادعه لي. فلما وقف على رأسه قال: تفتي الناس بما لا علم لك، والله لئن كان أول غزوة في الإسلام بدر، وما كان معنا إلا فرسان: فرس للزبير وفرس للمقداد، فكيف تكون العاديات ضبحا؟ إنما العاديات ضبحا من عرفة إلى المزدلفة، ومن المزدلفة إلى منى.
قال ابن عباس: فنزعت عن قولي، ورجعت إلى الذي قال علي رضي الله عنه.
وبهذا الإسناد عن ابن عباس قال: قال علي: إنما (والعاديات ضبحا) من عرفة إلى المزدلفة، فإذا أووا إلى المزدلفة أوروا النيران.
وقال العوفي، عن ابن عباس : هي الخيل.
وقد قال بقول علي: إنها الإبل جماعة. منهم : إبراهيم وعبيد بن عمير وبقول ابن عباس آخرون، منهم : مجاهد، وعكرمة، وعطاء، وقتادة، والضحاك. واختاره ابن جرير.
قال ابن عباس وعطاء: ما ضبحت دابة قط إلا فرس أو كلب.
وقال ابن جريج، عن عطاء: سمعت ابن عباس يصف الضبح: أح أح.
فالموريات قدحا
يعني اصطكاك نعالها للصخر فتقدح منه النار.
وقال أكثر هؤلاء في قوله : ( فالموريات قدحا ) يعني : بحوافرها . وقيل : أسعرن الحرب بين ركبانهن . قاله قتادة .
وعن ابن عباس ومجاهد : ( فالموريات قدحا ) يعني : مكر الرجال .
وقيل : هو إيقاد النار إذا رجعوا إلى منازلهم من الليل .
وقيل : المراد بذلك : نيران القبائل .
وقال من فسرها بالخيل : هو إيقاد النار بالمزدلفة.
وقال ابن جرير : والصواب الأول، أنها الخيل حين تقدح بحوافرها.
فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا
يعني الإغارة وقت الصباح كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغير صباحا ويستمع الأذان فإن سمع أذانا وإلا أغار.
وقوله (فالمغيرات صبحًا) قال ابن عباس ومجاهد وقتادة : يعني إغارة الخيل صبحا في سبيل الله .
وقال من فسرها بالإبل : هو الدفع صبحًا من المزدلفة إلى منى.
فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا
يعني غبارًا فى مكان معترك الخيول. وقالوا كلهم في قوله : (فأثرن به نقعًا) هو : المكان الذي إذا حلت فيه أثارت به الغبار ، إما في حج أو غزو.
فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا
أي توسطن ذلك المكان كلهن جمع.