كتب: سعيد شرباش
نستعرض لمتابعينا حكم أكل لحوم الخيل وزينة الخيل، من خلال تفسير الإمام الطبري للآية الكريمة “وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ۚ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ” (النحل: 8). حيث قال إن الله تعالى يقول: وخلق الخيل والبغال والحمير لكم أيضًا، وسخرها لكم للركوب والزينة، حيث جعلها الله عز وجل زينة تتزينون بها مع المنافع التي فيها لكم من الركوب وغير ذلك.
وقال (وزينة) بالعطف على الهاء في قوله تعالى (خَلَقَهَا)، ولم يقل (لتركبوها زينة)؛ ليكون لها غرضان، الركوب والزينة، وإعطاء الزينة استقلالية مساوية للركوب، بحيث لا تكون الزينة هي الغاية من الركوب، ولكنها غاية في حد ذاتها.
وقال بذلك قتادة: حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة (لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً) قال: جعلها لتركبوها، وجعلها زينة لكم.
حكم أكل لحوم الخيل
أدلة تحريم أكل لحوم الخيل
واستشهد بعض أهل العلم بهذه الآية على تحريم أكل لحوم الخيل.
وهو رأي ابن عباس: حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيي بن واضح، قال: حدثنا أبو ضمرة، عن أبي إسحاق، عن رجل، عن ابن عباس، قوله (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا) قال: هذه للركوب. (وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ)، قال: هذه للأكل.
حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية، قال: حدثنا هشام الدستوائي ، قال: حدثنا يحيى بن أبي كثير، عن مولى نافع بن علقمة: أن ابن عباس كان يكره لحوم الخيل والبغال والحمير، وكان يقول: قال الله (وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ)، فهذه للأكل، (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا) فهذه للركوب.
حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن ابن أبي ليلى، عن المنهال، عن سعيد، عن ابن عباس: أنه سُئِلَ عن لحوم الخيل، فكرهها، وتلا هذه الآية (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا).
حدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا قيس بن الربيع، عن ابن أبي ليلى عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: أنه سُئِلَ عن لحوم الخيل، فقال: اقرأ التي قبلها (وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ)، (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً)، فجعل هذه للأكل، وهذه للركوب.
حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يحيى بن عبد الملك بن أبي غنية، عن أبيه، عن الحكم (وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ)، فجعل منه الأكل. ثم قرأ حتى بلغ ( وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا )، قال: لم يجعل لكم فيها أكلاً. قال: وكان الحكم يقول: والخيل والبغال والحمير حرام في كتاب الله.
حدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا ابن أبي غنية ، عن الحكم، قال: لحوم الخيل حرام في كتاب الله، ثم قرأ (وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ) … إلى قوله (لِتَرْكَبُوهَا).
أدلة أكل لحوم الخيل
وقال الطبري: خالف جماعة من أهل العلم هذا التأويل، حيث يرون أن الآية لا تدل على تحريم شيء، وأن الله جلَّ ثناؤه إنما عرَّف عباده بهذه الآية وسائر ما في أوائل هذه السورة نِعَمَه عليهم، ونبَّههم به على حججه عليهم، وأدلته على وحدانيته، وخطأ فعل من يشرك به من أهل الشرك.
حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن شعبة، عن مغيرة، عن إبراهيم، عن الأسود: أنه أكل لحم الفرس.
حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم، عن الأسود بنحوه.
حدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم قال: نحر أصحابنا فرسًا في النجع، وأكلوا منه، ولم يروا به بأسًا.
الصواب في رأي الطبري
يرى الإمام الطبري أن الصواب عنده هو الرأي الثاني، مستدلاًّ على ذلك بأنه لو كان في قوله تعالى (لِتَرْكَبُوهَا) دلالة على أنها لا تصلح، إذ كانت للركوب للأكل – لكان في قوله فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ دلالة على أنها لا تصلح إذ كانت للأكل والدفء للركوب. وفي إجماع الجميع على أن ركوب ما قال تعالى ذكره وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ جائز حلال غير حرام، دليل واضح على أن أكل ما قال (لِتَرْكَبُوهَا) جائز حلال غير حرام، إلا بما نص على تحريمه، أو وضع على تحريمه دلالة من كتاب أو وحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأما بهذه الآية فلا يحرم أكل شيء. وقد وضع الدلالة على تحريم لحوم الحمر الأهلية بوحيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأشار الطبري إلى أنه تناول مسألة أكل البغال في “كتاب الأطعمة؛ إذ لم يكن هذا الموضع من مواضع البيان عن تحريم ذلك، وإنما ذكرنا ما ذكرنا ليدلَّ على أنه لا وجه لقول من استدلَّ بهذه الآية على تحريم لحم الفرس.
حدثنا أحمد، حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا إسرائيل، عن عبد الكريم، عن عطاء، عن جابر، قال: كنا نأكل لحم الخيل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت: فالبغال؟ قال: أما البغال فلا.
وقوله (وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ) يقول تعالى ذكره: ويخلق ربكم مع خلقه هذه الأشياء التي ذكرها لكم ما لا تعلمون مما أعدَّ في الجنة لأهلها وفي النار لأهلها مما لم ترَه عين، ولا سمعته أذن، ولا خطر على قلب بشر.