أجرى الحوار: سعيد شرباش
في الإعدادية كنت الوحيد الذي يستطيع ركوب خيل إسطبلات نزلة السمان غير المروضة
بدأت تربية الخيل بعد زيارة مزرعة الشيخ خالد بن لادن بفرستين.. والآن عندي 60 رأسًا
التحكيم الأجنبي والعربي من أشد أزمات الخيل العربي
لا بد من القضاء على فوضى مهرجانات الخيل وتقنين الأمر وتسجيل الخيل إلكترونيًّا منعًا للتلاعب
أحلم بإقامة نادي خيل متكامل
أطالب بأن تكون هناك وزارة للخيل بمصر
ما إن تحلَّ ضيفًا عليه، حتى تقابلك صور الخيل في كل مكان وفي كل ركن.. فهي بالنسبة له أبناؤه.. مَن أكرمها أكرمه، ومَن مسَّ كرامتها أغضبَه.. في مصر نشأ مع أصايل الخيل العربي، واحتفظ بعبق ذكرياتها. ولأن المحب غيور؛ تجد لديه حماسة شديدة للقضاء على ما يعكر صفوها..
التقينا بالسفير أيمن بسيوني، سفير الأمم المتحدة، العاشق والمربي والفارس المغوار.. ممتطي الخيل الجموح منذ نعومة الأظفار؛ ليفسح لنا مساحة من وقته وقلبه، ويُدخِلَنا لذكرياته الناعمة، ويُمِدَّنا بخبراته المتراكمة.. في تربية الخيل العربي المصري الأصيل، وتقييمه للوضع الحالي، ورؤيته للمستقبل.. وإلى نص الحوار..
: معالي السفير نرحب بسعادتك في حوارك لموقع الخيل، وهو تجربة جديدة باللغتين العربية والإنجليزية؛ لنقل ثقافتنا للداخل والخارج؛ للحفاظ على تاريخ الخيل وأرشفته.
: أهلاً وسهلاً.
: في البداية نود أن تدخلنا إلى طفولتك ونشأتك المبكرة.
: نشأت في القاهرة، وبدأت دراستي في مدرسة فيكتوريا كوليج بالمعادي.
: وهل كان والد معاليكم مقيمًا بمصر؟
: لا.. كنت أدرس في المعادي، وأذهب في الإجازة إلى عائلة مصرية في السكاكيني. ولما قامت حرب 67، أخرجَني والدي من المدرسة، وعدت إلى السعودية، وبعد ذلك كان يرسلني إلى لندن كل سنة أتعلم لغة، وبعد أن حصلت على الشهادة الجامعية، عملت بالتجارة. فأنا من رجال الأعمال، وفي نفس الوقت بالسلك الدبلوماسي، وحاليًّا أشغل منصب سفير للسلام في الأمم المتحدة.
: نود أن نعرف من معاليكم متى ظهرت هواية تربية الخيل لديكم؟
: من صغري وأنا مغرم بالخيل.. كنت أركبه وأنا في الإعدادية بمصر، فكنت الوحيد الذي يستطيع أن يركب الخيل غير المروضة في إسطبلات نزلة السمان، وهي خيل جموح، لا تسمح لأحد أن يمتطي ظهرها. أذكر حصانًا اسمه ويسكي، كنت أطلع به الجبل، وهذا الحصان لكي أركبه لا بد أن آخذه على مطلع ومنحدرات؛ لكي أُجهِدَه، وبهذا أستطيع امتطاء ظهره، وكانت يدي تُجرَح من شدة الخيل.
: احكِ لي ذكريات أول خيل اشتريته.
: أول خيل اشتريته كنت في أولى ثانوي، وكانت فرسة سوداء عربية أصيلة لونها الأسود تحفة، وضعتها في إسطبل بنزلة السمان، وكنت سعيد بها جدًّا، وفي يوم عيد ميلاد ابنة عمي، أخذت الفرسة إلى العزبة التي تقيم بها، وقدمتها هدية لها، ولكن صدمت عندما ذهبت إليها بعد 3 شهور ، فوجدتهم يربطونها في كارِتَّة، فحزنت حزنًا شديدًا، وقلت بغضب لابنة عمي: فرسة أصيلة تربطونها بكارِتَّة؟!!
: هذا الموقف مؤكد أنه كان سببًا في حدوث تحول في حياتك.
: هذا الموقف على قدر ما حرق دمي، على قدر ما جعلني أدرك مدى حبي للخيل، وأدرك أن الحب لا يكفي، ولكن لا بد أن يترجم لواقع عملي، وهو أن أحافظ على الخيل وأحميه من أي إهانة أو تصرف لا يحفظ له مكانته وكرامته. وهذا هو الفرق بين عاشق الخيل والتاجر.
: واضح عشقك له من صوره التي أراها حولي.
: حتى في بيتي بالسعودية أضع صور الخيل في كل مكان.
: كيف أو متى حدث التحول من الهواية للتربية؟
: البداية كانت من ابني، الذي طلب مني أن أزور مزرعة بن لادن، وقال لي: عنده مجموعة خيل رائعة، فذهبت إليه، وأعجبني الخيل جدًّا، فبدأت بفرستين، اشتريتهما، وتركتهما إيواء عند مزرعة رباب .
: الشيخ خالد بن لادن من أفضل مربي الخيول الأصيلة.
: خالد من الشخصيات الجميلة.. خبرته طويلة في تربية الخيل، وأخلاقه عالية جدًّا وصديق ودود. المهم أني تركت الفرستين عنده، حتى صار عندي 12، فاشتريت مزرعة، وبنيت فيها إسطبلات، حتى وصل عدد الخيول عندي إلى 60 رأسًا حاليًّا بفضل الله.
: وهذا الأمر مكلف.
: تربية الخيول هواية متعبة ومكلفة، لكنها عشق، فأنا أشعر وكأن الخيل أبنائي.
: ما هي أهم نصيحة قُدِّمت لمعاليكم في مجال الخيل، وعملت على تنفيذها؟
: في بداية تربيتي للخيل، لم أكن أرضى بأن أطلق خيلي لأي أحد، لكن الشيخ خالد قال لي: لكي تُظهِر خيلك لا بد أن تطلقه، ويكون له أبناء في كل مكان، فبدأت أطلق الخيل، ثم قال لي: عندما تنتج الفرسة 3 مهرات مثلاً، اختر أحسن الإنتاج واحتفظ به، وقم ببيع الباقي؛ حتى يحتفظ برنامج تربيتك بالمستوى الأعلى، ولا تحتاج إلى أماكن إيواء جديدة للخيل، فبدأت أعمل بهذه النصيحة، وكانت نصيحة مهمة.
: ما سر عشقك للخيل المصري؟
: لأن مصر حافظت على أصالة الخيل العربي منذ سنين طويلة، فأصل الخيل العربي المصري من السعودية.. زمان كان الباشوات يأتون إلى جزيرة العرب بالذهب؛ ليشتروا الخيل، فيحضرونه إلى مصر، ويربونه ويهتمون به، وقدموا لنا شيئًا رائعًا، وهو محطة الزهراء، التي لعبت دورًا كبيرًا في العالم كله، والعالم كله يأتي إلى مصر؛ من أجل هذه المحطة، أمريكا والبرازيل وبريطانيا وأستراليا، الكل يأتي يأخد من مصر الخيول . فالحصان العربي المصري، من أجمل الخيول. فعندما تضع الخيول البولش بجانبه، قد يبدو البولش أفضل قليلاً في الجسم وأحلى بعض الشيء في التفاصيل، لكن تحس أنه مثل المرأة التي تعمل عمليات تجميل، ولكنها لا تملأ العين؛ لذا كنت أتضايق عندما كنت أجد الخيول البولش تشارك في المهرجانات، وتنافس الحصان العربي المصري الأصيل. لكن بعد أن بدءوا في منع دخول البولش مع المصري الأصيل ارتحت.. أصبحت المنافسة أفضل. أما الخيول البولش فأقيموا لها بطولات خاصة بها بعيدًا عن الحصان العربي المصري.
: حدثني عن دور مزرعة البسيوني الخاصة بمعاليكم الذي تلعبه أو ستلعبه في الفترة القادمة لإفادة الحصان؟
: ما زلت حتى الآن أتعامل مع الخيل كهواية وليست تجارة، وأنا من حبي للخيل أشارك في المهرجانات، وهذا طبعًا يُنمِّي الخيل، ويساهم في انتشاره، فأنا أشارك في المهرجانات بمصر قدر استطاعتي، ولكن لا أستطيع أن أشارك في مهرجانات السعودية؛ بسبب حظر سفر الخيل من مصر للسعودية.
: هذه قضية مؤرقة، ولا بد لها من حل.
: لازم.. الشيء الذي أستغرب منه هو أنك تمنع نقل الخيل من مصر للسعودية، فيضطر المربون إلى السفر بالخيل مثلاً إلى الأردن، ويأخذونه إلى دبي، ثم ينقلونه إلى السعودية.. تخيل نفس الخيل، لكن بتكاليف أكثر، وهذا مضيعة للوقت والمال.
: كيف ترى الهواية من وجهة نظرك؟
: الهواية لا حدود لها. كلما تعمقت فيها، عشقتها أكثر، حتى تصبح مثل الإدمان، لا تقدر أن تتركها. أنا أحيانًا أصحو الساعة الثانية صباحًا؛ لأذهب إلى المزرعة، وأمتع نظري بالخيل، وأظل أشاهده.. قمة الروقان، وتنبسط انبساطًا لا تتخيله. تخيل بمجرد أن تصل إلى المزرعة، تسمع الخيول وهي تصهل فرحانة بقدومك.
: وهل تعرفك من بين العاملين في المزرعة؟
: بالتأكيد.. الخيل تعرف صاحبها من وسط ألف واحد. تعرف أن هذا هو مالكها، وتدعو له ليل نهار. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة”. فهذه هواية وبركة وشيء جميل. وتبركًا برسول الله صلى الله عليه وسلم، أطلق على خيلي أسماء خيل الرسول، مثل السكب ،بحر، سبحة، ورد ، . وإن شاء الله أنوي أن أكمل البقية.
: الحصان العربي عندما تشتريه، هل تشتريه من أجل شهادته، أم من أجل التوازن؟
: الأصل مهم جدًّا، ولكن لا بد أن يكون الحصان متوازنًا، ويمثل شهادته. لكن الغريب في مصر أنك تجد خيلاً من أجمل ما يمكن، فيجيء من يقول لك: لا، هذا فيه نصر الله، لا، هذا فيه مادوري، هذا فيه حنان. يا جماعة، هذه كلها خيول عربية أصيلة. والحقيقة أن أجمل الخيول في العالم وأبطال العالم أحفاد نصر الله، خيول غاية في الروعة، وليست خارجة عن العربي الأصيل، لكنها مجرد أفكار تنتشر وتؤثر على الخيل عندما تشتريه، أو ينتج خيلاً يكون جميلاً، فيخافون منه. أما أنا فلا تفرق معي هذه الأمور.
: هل اشتريت أبناء نصر الله ومادوري، أم اكتفيت بحبها؟
: نعم لديَّ خيول من أبناء نصر الله.. ويوم قررت أن أشتري فرسة من مادوري، وجدتها قد بيعت. ولكن عندي واحدة ترجع لأصول مادوري. فأنا الأن أركز على الخط خط العبيان الوصفية.
: بحكم عملك كسفير، هل ستُدوِّن برنامج التربية الخاص بخيولك؟
: أنا دخلت في المجال الدبلوماسي قنصل هولندا في السعودية، ثم سفير السلام في الأمم المتحدة. كما أنني مستشاررئيس مجموعة شركات علي رضا، التي تحمل سجلاًّ تجاريًّا رقم واحد في المملكة، من أكبر الشركات التجارية في المملكة العربية السعودية ، وعندي بعض الأملاك الخاصة، عندي شركة بواخر، ونحن أول من أقامنا قاعات خاصة بالأفراح.
: من خبرة سعادتك، ما هي التحديات التي تقابل صناعة الخيل، أو هواية الخيل؟
: طريقة تسجيل الخيل يجب أن تتغير من التسجيل الورقي إلى الإلكتروني؛ حتى نمنع أي تلاعب. وهناك بعض الأشياء التي يجب أن يكون فيها انضباط أكثر، كالمهرجانات، فنحن نجد شخصًا نسمع عنه لأول مرة، ليس لديه جمعية مشهرة ولا مسجلة، ويقيم مهرجان خيل.. وهذا شيء يغضبني؛ لأنها فوضى. لا بد أن يكون كل شيء مقننًا ومسجلاً رسميًّا.
: ما رأي معاليكم في مشروع مرابط مصر بالعاصمة الإدارية؟
: إلى الآن حسبما أسمع سيكون مشروعًا جميلاً، ولكن مرابط مصر ستُفقِد محطة الزهراء تاريخها العريق. أعتقد لوأنه تم تطوير محطة الزهراء، لكان هذا أفضل من نقلها للعاصمة الإدارية؛ لأن معظم مزارع الخيل في الهرم.
: ما هو حلمك الذي تسعى لتحقيقه في مجال الخيل؟
: أحلم أن أؤسس ناديًا شاملاً للفروسية والخيل، يقضي على كل السلبيات التي تحدث في الخيل، والمهرجانات الهابطة والأمور التي لا داعي ولا لزوم لها، وطريقة التحكيم السيئة.
: وما أهم ملاحظاتك على التحكيم السيئ؟
: في رأيي عندما ينزل الخيل إلى أرض العرض، يجب ألا يعرف أحد ملاك هذه الخيول؛ لكي يكون التحكيم محايدًا؛ لأن هناك حكامًا يغيرون النتيجة من أجل بعض ملاك الخيل، فبعض الحكام يعطي الحصان مركزًا خامسًا، وعندما يتحدث اليه شخص معين، يعطيه المركز الأول، وأنت يا من يستحق خيلك المركز الأول يخرج من الترتيب.. هذا يشكِّل إحباطًا عند المربين “اللي ماشيين دوغري”.. لا بد أن يكون هناك انضباط في هذا الأمر.
: وبالنسبة للحكام الأجانب الذين يُحكِّمون في مسابقات الحصان العربي، كيف يكون شعور معاليكم؟
: الحكام الأجانب أعتبرهم ضحكًا على الذقون، كما يقال في الأمثال. لماذا حكام أجانب؟! أليس عندنا حكام عرب؟ ،فلماذا يدخلون الحكام الأجانب؟ أنا لا أرى ميزة فيهم، الفكرة هي أنه كيف أن نحضر حكامًا لا يركبون خيولنا لكي يُحكِّموا فيها!
: من وجهة نظر سعادتك ما هو الحل الوحيد لتطوير هواية تربية الحصان العربي؟
: الحسم و الانضباط، وأن تكون هناك جهة مسئولة عن أدق التفاصيل، لا بد أن يكون هناك مسئول عن الخيل في جمهورية مصر العربية كلها، وزارة مختصة بشئون الخيل، بحيث لا تترك الأمور هكذا. أنا سمعت عن شخص جمَّع 400 سايس، وأسس بهم جمعية خيول، ويدخل بها مهرجانات ويكسب. وعندما تزور مقر الجمعية، تجدها مكتبًا في شقة، حتى الكومبارس لا يقبل أن يقعد فيها. ولكن من وجهة نظري أري أن يتم عمل نادٍ مثل نادي سقارة.
: علمت أنك كنت تريد تأسيس نادي خيل مثل نادي سقارة.
: أنا كنت من فترة أرغب في أن أشتري نادي سقارة نفسه، وأجهِّزَه وأشطِّبَه، لكن وجدت بجواره خمس فلل، طريقها من جهة النادي، وهذا ما جعلني أتردد في الأمر.
: نختم لقاءنا بأجمل ذكرياتك.. رحلات الخيل أيام زمان.. طلوع الجبال والهرم.
: أيام زمان كنا نخرج في مجموعة، نركب الخيل في الهرم، نبدأ من نزلة السمان، وننطلق في صحاري سيتي ذهابًا وعودة. وكنت وقتها أتحدى سُيَّاس الخيل التابعين للمرابط، وأسبقهم، وكانت الخيل عند رجوعها تختلف في جريها، في الرجوع كانت تسرع؛ لأنها تريد العودة إلى الإسطبل. كانت أيامًا جميلة، لا يمكن أن تُنسَى.